موسوعة المصطفى والعترة (ع) - الحاج حسين الشاكري - ج ٩ - الصفحة ٢٢٦
إن مصر وفارس عرفتا مدارس شهيرة للطب (1).
(1) أشهر مدارس الطب في مصر مدرسة سائيس. أما فارس، فأشهر مدارسها مدرسة جنديسابور في القطاع الجنوبي لفارس، وقد كانت على درجة كبيرة من التقدم، واحتضنت عددا كبيرا من طلبة الفرس وغيرهم. وكانت الدولة الساسانية معنية بالعلوم والفنون عناية كبيرة، ولكن العقبة التي اعترضت سبيلها هي وجود نظام طبقي سائد يقصر الدراسة على أبناء طبقة معينة، ويمنع عنها من لا ينتمي إلى هذه الطبقة مهما كان ذكاؤه أو رغبته في العلم.
وكانت هذه التفرقة الطبقية عاملا من العوامل التي أدت إلى قيام الثورة المانوية في أيام الدولة الساسانية، إذ كان (ماني) يعارض النظام الطبقي السائد ويقول: إن العلم للجميع وإن من الواجب على الدولة أن تهيئ أسباب العلم لجميع أبناء الوطن. ولكن (ماني) لم ينجح في نشر أفكاره الثورية، فقبض عليه وقتل، وأغمد السيف في أنصاره وأتباعه وفر من نجا منهم إلى الصين، وهناك استوطنوا في إقليم طورفان (تركستان الصينية) وأبقوا على لغتهم الفارسية، ولقنوها لأبنائهم، وأسسوا مدرسة للطب، وكان إقليم طورفان من المراكز الهامة التي حافظت على ثقافة فارس وحضارتها وعلى الخط البهلوي. وهناك طائفة كبيرة من العلوم والكتب التي دونت بالخط الساساني. وتعطينا الآثار الباقية من حضارة طورفان التركية المغولية صورة جلية عن مستوى العلم والحضارة الفارسية فيها، وقد حرص الفرس في هذه المنطقة على الاحتفاظ عبر القرون باللغة والعادات والتقاليد الفارسية القديمة، وبقيت اللغة البهلوية على ما كانت عليه، ولم تبتل بالتغيير (هزوارش) الذي أدخله الكتبة الآراميون على الكتابة البهلوية، فقد كان من عادة الآراميين أن يكتبوا اللفظة بالآرامية وينطقونها بالبهلوية. فمن ذلك مثلا أن الفرس يقال لهم في الآرامية (كتل)، فكان الآراميون يكتبون لفظة (كتل) وينطقونها (أسب)، أي الفرس بالبهلوية. فأصبح نطق الألفاظ يختلف عما كان عليه، وجاء الجيل الجديد وهو لا يعرف أصول لغته، فهجرت البهلوية في عقر دارها، ولكنها على قيد الحياة في مناطق أخرى منها منطقة طورفان. (المترجم).