المحكوم عليه بأنه إنما يطهر بإكثار الماء المتدافع حتى يزول التغير، وأما تطهير القليل الذي أورده بعدهما وإن لم يستدل فيه بمثل ما ذكر غير أنه جار فيه أيضا، وكأنه تركه هنا اكتفاء بما سبق.
ولكن ينبغي أن يعلم أن الملازمة الأخيرة موضوعها الماء الواحد، فلابد في الاستدلال بها من إحراز الوحدة أولا، وكأن اختلافهم الآتي في الشروط الآتية من الدفعة والممازجة ونحوها ناش عن طلب إحراز الوحدة، فمن يراها كلا أم بعضا شرطا يرى أن الوحدة لاتصدق إلا معها، ومن لا يعتبرها يراها صادقة بدونها، وعليه لا يكون شئ من تلك الشروط أمرا تعبديا صرفا، وبذلك ربما يرتفع الحاجة في إثبات اعتبار شئ منها أو نفي اعتباره إلى التمسك بالأصل، من استصحاب أو أصالة عدم الشرطية - على الخلاف المتقدم إليه الإشارة - لكون الحكم حينئذ منوطا بالوحدة وصدقها وهو أمر عرفي لا يرجع فيه إلى الشرع.
كما علم بذلك وجه الاختلاف الذي وقع بين العلامة والمحقق في المنتهى والمعتبر في غديرين أحدهما أقل من الكر فلاقته نجاسة ثم وصل بالآخر البالغ كرا، حيث إن العلامة قال في الكتاب: " لو وصل بين الغديرين بساقية اتحدا، واعتبر الكرية فيهما مع الساقية جميعا، أما لو كان أحدهما أقل من كر ولاقته نجاسة فوصل بغدير بالغ كرا، قال بعض الأصحاب: الأولى بقاؤه على النجاسة، لأنه ممتاز عن الطاهر، مع أنه لو مازجه وقهره لنجسه، وعندي فيه نظر فإن الاتفاق واقع على أن تطهير ما نقص عن الكر بإلقاء كر عليه، ولا شك أن المداخلة ممتنعة، فالمعتبر إذن الاتصال الموجود هنا " (1).
والظاهر أن مراده ببعض الأصحاب هو المحقق، لما حكي عنه في المعتبر من قوله: " الغديران الطاهران إذا وصل بينهما بساقية صارا كالماء الواحد، فلو وقع في أحدهما نجاسة لم ينجس، ولو نقص كل واحد منهما عن الكر إذا كان مجموعهما مع الساقية كرا فصاعدا، الثالث: لو نقص الغدير عن كر فنجس فوصل بغدير فيه كر ففي طهارته تردد، والأشبه بقاؤه على النجاسة لأنه ممتاز عن الطاهر، والنجس لو غلب على الطاهر نجسه مع ممازجته فكيف مع مبائنته " (2).