وأما ثالثا: فلأن الأخبار اضطربت في تقدير النزح، فتارة دلت على التنصيص في التقديرات المختلفة، وتارة دلت على الإطلاق، و ذلك مما لا يمكن أن يجعله الشارع طريقا إلى التطهير " (1).
و فيه: ما لا يخفى من منع الملازمة، وضعف الوجوه المقامة عليها.
أما الأول: فلمنع كون المطهر هو الإعدام، بل المطهر في الحقيقة هو الماء المتجدد من المادة، والنزح اعتبر طريقا إلى تجدده، و لو سلم فأي مانع عن كون إعدام البعض مطهرا إذا دل عليه الشرع، فإن الأحكام ولا سيما أحكام البئر كلها تعبدية متلقاة من الشارع، فلا ينبغي قياسها بالعقول القاصرة.
وأما الثاني: فلمنع كون سقوط القطرة من الدلو إلى البئر قادحا في طهرها بالنزح المقدر له شرعا، لجواز كون تلك القطر مسلوب الأثر في نظر الشارع، صونا للمكلف عن الحرج.
ومنه ينقدح ضعف ما قد يقرر هذا الدليل بأنها لو نجست لما طهرت، للزوم تنجسها بعود الدلو والرشا إليها، والساقط من الدلو خصوصا الأخير، واللازم باطل وليس القول بالطهارة بعد النزح بأولى عن القول بعدم النجاسة بالملاقاة.
وفيه: أيضا ضعف واضح فإن الأولوية بعد ما قضى الشرع بهما مما لا يمكن رفع اليد عنها.
وأما الثالث: فلأن اختلاف الأخبار بالإطلاق والتقييد، أو الإجمال والبيان مما لا يعد من الاضطراب المخل، وإلا فكم من هذا القبيل، و ظاهر أن كيفيات الخطاب تختلف بحسب اختلاف المقامات و أحوال المخاطبين، ومقتضيات الإطلاق والتقييد، أو الإجمال والبيان، فإن الخطاب ربما يرد مطلقا ويحال تقييده إلى المقيدات الخارجية، وقد يرد مجملا إذا لم يكن في موضع الحاجة فيؤخر بيانه إلى وقتها، وقد يرد مقيدا أو مبينا حيث كان وقت الحاجة حاضرا.
ورابعها: أنها لو نجست لزم الحرج الشديد، خصوصا في البلاد التي ينحصر ماؤهم