العموم والخصوص من وجه فيقيد عموم كل منهما بخصوص الأخر فان الظاهر يحمل على النص ومثل هذا الجمع لا يحتاج إلى شاهد وهو أولي من الجمع بينهما بالاكتفاء بأحد الامرين كما في الوسائل فإنه يحتاج إلى شاهد انتهى كلامه وتبعه على الاستدلال به للشيخ بعض مشايخنا أقول هذا الاستدلال عجيب لان العامين من وجه إذا كانا متعارضين فالجمع بينهما بتقييد عموم كل منهما بخصوص الأخر من المحالات العقلية لأنه جمع بين النقيضين فإذا ورد أكرم العلماء وورد لا تكرم الفساق منهم ولا تكرم الفساق الا العلماء منهم ومقتضى ذلك وجوب اكرام العلماء الفاسقين وحرمته وهو المحال اللازم وان لم يكونا متعارضين فهما يجتمعان فلا يحتاج إلى تقييد عموم واحد منهما بخصوص الأخر لان التقييد والتخصيص فرع التعارض والتنافي فنقول حينئذ ان لوحظ الأدلة على وجوب الافطار إذا خرج قبل الزوال مع الأدلة على وجوب اتمام الصوم إذا خرج يعد الزوال مع الأدلة على وجوب الاتمام مع عدم العزم فلا يحتاج شئ منهما إلى تقييد بل يبقى كل على عمومه لعدم التنافي بين الحكمين فلا تعارض بينهما وليس الا من من قبيل أكرم العلماء وأكرم العدول وان لوحظ الأدلة الأولى مع الأدلة الرابعة وكذا لو لوحظت الثانية مع الثالثة فيقع التعارض لكن تخصيص عموم كل بخصوص الأخر وحمل ظاهر كل على نص الأخر من المحالات لان معنى تخصيص عموم الأدلة الأولى بخصوص الرابعة ان يقال إن من خرج قبل الزوال يجب عليه الافطار الا إذا لم يعزم الخروج من الليل فإنه يجب عليه الاتمام حينئذ ومعنى العكس ان يقال من لم يعزم على الخروج من الليل أتم صومه ولم يفطر الا إذا خرج قبل الزوال فإنه يفطر ومن البين ان المعنيين متناقضان وقس على ذلك حال الأدلة الثانية والثالثة فالتحقيق ان اللازم في تعارض العامين من وجه حمل عموم أحدهما وظهوره على الخصوص الأخر ونصوصه وابقاء عموم الأخر وظهوره على حاله وبعبارة أخرى ارتكاب التقييد في أحد المطلقين ولذا لابد من وجود المرجح لئلا يلزم الترجيح من غير مرجح إذا عرفت هذا فنقول ان هنا تعارضين أحدهما بين الأدلة الأدلة الأولى والرابعة والاخر بين الثانية والثالثة فوجوه الجمع المتصورة هنا أربعة أحدها تخصيص الأولى بالرابعة وتخصيص الثانية بالثالثة مع ابقاء عموم الرابعة والثالثة على حالهما ومقتضاه ما قاله الشيخ في المبسوط من اشتراط اجتماع الامرين في الافطار والثاني عكس الأول أعني تخصيص الرابعة بالأولى والثالثة بالثانية مع ابقاء عموم الأولى والثانية على حالهما ومقتضاه ما حكى في الوسائل من اشتراط أحد الامرين والثالث الأول من الثاني والثاني من الأول ومقتضاه ما اخترناه من المذهب المشهور وهو إناطة الافطار بالخروج قبل الزوال وان لم يعزم والرابع عكس الثالث ومقتضاه القول الثاني المحكي عن الشيخ في غير المبسوط والمحقق من إناطة الافطار بالعزم على السفر ليلا وان خرج بعد الزوال ولا يخفى ان تقديم أحد هذه الوجوه على الباقي يحتاج إلى مرجح وقد عرفت ان المرجح مع الوجه الذي اخترناه فطهر من هذا ان قول الشيخ المحكي في المبسوط الموافق لاحد وجوه الجمع الأربعة ليس الا كقول صاحب الوسائل الموافق لواحد اخر منها في الاحتياج إلى المرجح والشاهد وان ما قاله بعض مشايخنا من أن الجمع الموافق لمذهب الشيخ لا يحتاج إلى شاهد بخلاف الجمع الذي قاله في الوسائل لا يخلوا عن تحكم بقى هنا شئ وهو ان جل المرجحات الموجبة لترجيح اخبار إناطة الافطار بالخروج قبل الزوال من موافقة الكتاب ومخالفة العامة مختص بأحد الحكمين المستفادين من تلك الأخبار وهو الافطار إذا خرج قبل الزوال وان لم يعزم السفر من الليل بل وعزم الصوم واما الحكم الأخر المستفاد منها وهو الصوم مع الخروج بعد الزوال فلا مرجح لها بالنسبة إليه لعدم جريان عمومات الافطار وعدم معلومية مذهب العامة فيه اللهم الا ان يكتفى فيه بالشهرة ونقل الاجماع عن الخلاف مضافا إلى ظهور الاجماع المركب إذ كل من قيده بوجوب الافطار بالخروج قبل الزوال و ان لم يعزم السفر ليلا قال بالاتمام بالخروج بعد الزوال وان عزم السفر ليلا فتدبر * مسألة * الظاهر عدم صحة الصوم الواجب في السفر الا في المواضع المستثناة بل ادعى عليه الاجماع ويدل عليه الروايات المستفيضة بل المتواترة كما قيل منها رواية صفوان عن الرجل مسافر في شهر رمضان فيصوم قال ليس من البر الصيام في السفر ومنها رواية محمد بن حكيم لو أن رجلا صام في السفر ما صليت عليه ومنها رواية سماعة عن الصيام في السفر قال لا صيام في السفر قد صام أناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فسماهم العصاة فلا صيام في السفر الا ثلاثة أيام التي قال الله تعالى في الحج ورواية عمار عن الرجل يقول الله على أن أصوم شهرا أو أكثر من ذلك أو أقل فعرض له أمر لابد له ان يسافر أيصوم وهو مسافر قال إذا سافر فليفطر فإنه لا يحل له الصوم في السفر فريضة كان أو غيرها والصوم في السفر معصية ومنها رواية البزنطي عن الصيام بمكة والمدينة قال فريضة قلت لا ولكنه تطوع كما نتطوع بالصلاة فقال تقول اليوم وغدا قلت نعم قال لا تصم وفي رواية أخرى من سافر قصر وأفطر وفي أخرى أمتي الذين إذا سافروا قصروا وأفطروا إلى غير ذلك من الاخبار واما الصوم الندوب غير الثلاثة أيام عند قبر النبي صلى الله عليه وآله فالأكثر من القدماء أيضا على صحة الصوم للاطلاقات المذكورة بل لنص روايتي عمار والبزنطي عليها بقوله في الأول فريضة كانت أو غيرها وكون المورد خصوص التطوع في الثانية اللهم الا ان يراد بالفريضة الأولى خصوص صوم رمضان فيشمل غيرها للواجب فيكون كسائر الاطلاقات خلافا للمحكى عن جماعة من المتأخرين فذهبوا إلى الصحة إما مع الكراهة كما عن بعض أو مع عدم كراهة كما عن آخرين لروايتي إسماعيل بن سهل والحسن بن يسام الأولى خرج أبو عبد الله (ع) من المدينة في أيام بقين من شعبان وكان يصوم فدخل شهر رمضان وهو في السفر فأفطر فقيل تصوم في شعبان وتفطر شهر رمضان فقال (ع) شعبان إلي ان شئت صمت وان شئت لا وشهر رمضان عزم من الله على الافطار والثانية عن رجل قال كنت مع أبي عبد الله (ع) فيما بين مكة والمدينة في شعبان وهو صائم ثم رأينا هلال رمضان فأفطر فقلت له جعلت فداك أمس كان من شعبان وأنت صائم واليوم من شهر رمضان وأنت مفطر فقال إن ذلك تطوع ولنا ان تفعل ما شئنا وهذا فرض وليس علينا ان نفعل الا ما أمرنا ورواية الجعفري قال كان أبى (ع) يصوم عرفة في اليوم الحار في الموقف الخ ورواية البزنطي المتقدمة حيث استفصل المعصوم (ع) في مورد السؤال ولولا الفرق بين النافلة والفريضة لم تكن فائدة في الاستفصال فلابد من حمل قوله لا تصم على الكراهة ليحصل الفرق والمسألة محل اشكال الا ان القول الأول لا يخلوا عن قوة لكثرة الأخبار الدالة
(٦٠٥)