فلما ملك جعله الله نبيا ملكا وانزل عليه الزبور وامر الجبال والطير ان يسبحن معه إذا سبح، ولم يعط الله أحدا مثل صوته، كان إذا قرأ الزبور تدنو الوحش حتى يأخذ بأعناقها، وكان يقوم الليل ويصوم النهار ونصف الدهر، فكان يحرسه كل يوم وليلة أربعة آلاف، وكان يأكل من كسب يده.
قيل: أصاب الناس في زمن داود عليه السلام طاعون جارف - يعني عاما - فخرج بهم إلى موضع بيت المقدس، وكان يرى الملائكة تعرج منه إلى السماء فلهذا قصده ليدعو فيه.
فلما وقف موضع الصخرة دعا الله تعالى في كشف الطاعون عنهم فاستجاب الله ورفع الطاعون، فاتخذوا ذلك الموضع مسجدا وكان الشروع في بنائه لإحدى عشرة سنة مضت من ملكه وتوفي قبل ان يستتم بناؤه وأوصى إلى سليمان باتمامه.
ثم إن داود عليه السلام توفى، وكانت له جارية تغلق الأبواب كل ليلة وتأتيه بالمفاتيح ويقوم إلى عبادته، فأغلقتها ليلة فرأت في الدار رجلا، فقالت من أدخلك الدار؟ فقال: انا الذي ادخل على الملوك بغير اذن، فسمع داود قوله فقال: أنت ملك الموت، فهلا أرسلت إلي فأستعد للموت؟ قال قد أرسلت إليك كثيرا، قال: من كان رسولك؟ قال أين أبوك وأخوك وجارك ومعارفك؟
قال: ماتوا، قال فهم رسلي إليك بأنك تموت كما ماتوا، ثم قبضه.
فلما مات ورث سليمان ملكه، وكان له تسعة عشر ولدا فورثه سليمان دونهم وكان عمر داود عليه السلام مائة سنة ومدة ملكه أربعين سنة.
(نهج البلاغة) وان شئت ثلثت بداود عليه السلام صاحب المزامير وقارئ أهل الجنة، فلقد كان يعمل سفائف الخوص بيده ويقول لجلسائه أيكم يكفيني بيعها ويأكل قرص الشعير من ثمنها.
أقول: في اللغة مزامير داود ما كان يتغنى به من الزبور وقد أعطي من طيب النغم ولذة ترجيع القراءة ما كانت الطيور لأجله تقع عليه وهو في محرابه والوحش تسمعه فتدخل بين الناس ولا تنفر منهم لما قد استغرقها من طيب صوته.