الأحوال، وإن المراد بها ههنا أن الوجود حاصل لله تعالى من غير عدم، وإن كان لا يحصل لغيره إلا عن عدم.
وجه آخر:
وهو أن العدم المشار إليه يكون العدم الذي يكون عقيق الوجود لا عدم الملكة، والمقصود من ذلك أنه سبحانه الأول قبل كل شئ، وأنه سبحانه وتعالى كان وحده ولا شئ معه.
فهذه المعاني وغيرها قد تضمنته هذه الكلمة الواحدة، وهي (والعدم وجوده)، فما حسبك لو شرح هذه الخطبة بأسرها من له يد باسطة في علم الأصول، وتدققها وأبان ما فيها من غوامض علومها وغرائب معانيها، وأوضح في بيان متباعدها ومتدانيها، وشرح منها القضايا الحملية والشرطية، وأبان عن مقدماتها ونتائجها، لملأ منها أوراقا كثيرة واعترف بأنه مقصر عن بلوغ الغاية فيها.
فهل يليق بمن كان هذه الخطبة وأمثالها قطرة من بحار علمه أن يقدم عليه من يسأل عن علم الله سبحانه وتعالى أين هو؟ فيقول: في السماء على العرش، حتى قال له السائل اليهودي: فأرى الأرض خالية منه وأراه على هذا القول في مكان دون كان.
وهل هذا إلا ليكون لله الحجة البالغة على عباده بقوله تعالى * (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع) * الآية.
ويحسن أن يقال ههنا قوله عليه السلام:
* فدع عنك من مالت به الرمد * وخبر السائل اليهودي قد تقدم ذكره في آخر الفصل الثاني عشر.