ألم تر كيف استدل عليه السلام على إحداث القرآن المجيد بأنه لو كان قديما لكان إلها ثانيا. وهذه الغاية القصوى التي لا يبلغها المتكلمون المدقون، ويفخرون بعلمها ويدلون بالظفر بها.
وكيف وصفه عليه السلام بأنه فعله وأنشأه ولم يصفه بأنه خلقه، للفرق المعقول بين إطلاق الخلق على الكلام وإطلاق الإحداث والإنشاء عليه.
وكيف فرق عليه السلام بين اللفظ والقول، وبين الحفظ والتحفظ، وبين الإرادة والضمير. وهل ذلك إلا من بحر علم عميق وركن فيه وثيق؟!
بيان كلمة:
قال عليه السلام (سبق الأوقات كونه والعدم وجوده) كيف سبق العدم وجوده وما كان تعالى موجودا فيما لم يزل إلا والأشياء كلها معدومة، فما سبق وجوده عدمها وإنها سبق وجوده وجودها؟
فيقال عن ذلك: إن معنى هذا الكلام أن وجوده تعالى سبق عدم ذاته لا عدم غيره من الذوات. والفائدة في ذلك أن كل موجود سواه من المحدثات فعدمه سابق لوجوده، ولهذه العلة كان محدثا، والمحدث ما كان موجودا بعد عدم، والقديم موجود لا من عدم. وأراد عليه السلام أن الوجود سبق إليه تعالى من غير عدم تقدمه، وإن جميع الذوات بخلاف ذلك.
وليس لأحد أن ينكر لفظة (سبق) في هذا الموضع، فيقدر أنها تقتضي لحاق المسبوع على كل حال، ويظن أن الوجود إذا سبق العدم إليه كان العدم منطوا فيه.
وذلك أنه يقال: سبق إلى كذا دون كذا، فيما يجوز عليه المسبوق وفيما لا يجوز عليه، فليست هذه اللفظة خالصة على ما يجوز على بعض