إلى غير ذلك من كلامه عليه السلام.
فلينظر الناظر بعين الإنصاف إلى هذا الكلام الشريف الذي يقطر عسله، وهو دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق، وإلى معانيه العبقة اللطيفة التي تصل إلى القلوب بلا حجاب وتلج على الأفهام من كل [فجاج]، لا ينبو عنها لوضوحها وجلائها فهم، ولا يقصر عن إدراكها فطنة.
وقد جمع في كلامه هذا القصير ما طول فيه المتكلمون وأسهبوا من معاني التوحيد، حتى أنه عليه السلام لم يشذ عنه من كلامهم شاذ ولم يفته فائت. وهو مع ذلك قد كسي ثوب البلاغة، وجلباب البراعة، وسربال الطلاوة.
وإذا نظرت إلى استخراج النتائج التي فيه وجدتها ملخصة في أصح قالب وأوجز لفظ وأجمل لباس، وإذ لحظها البصير بكتب الفلاسفة ومن أذهب عمره في استخراج دقائقهم في العلم الإلهي وجدهم قد أصابوا في بعض النتائج وأخطأوا في بعضها، ومولانا عليه السلام أخذ بمقدمات النتائج وضروريها (1) حتى أنتجت له المطالب التي اتفق عليها أفلاطون وأرسطو والأماثل والأفاضل، وأولئك أخطأوا في بعضها مع التعب الشديد والكلل العنيف ليلا ونهارا.
ومولانا عليه السلام وقف على كنوز الحكمة النبوية ومعادن العلوم المحمدية، لأنه بابها بقول الفريقين كما تقدم في الفصل السابع عشر، بغير تعب أثقله ولا كتاب طالعه، إلا الفيض الإلهي والإلهام الرباني، بواسطة النبي عليه السلام الذي أرسله الله رحمة للعالمين.