عبد الرحمن بن عبيد السعدي، فقال له الحجاج: يا عبد الرحمن (1) إني قد استعملتك على الشرطتين جميعا البصرة والكوفة، فصيف عندنا بالكوفة وشت بالبصرة، فقال: أصلح الله الأمير! قد قبلت ما وليتني فاكفني حاشيتك وأهلك وولدك في الشفاعات! فقال: قد كفيناك ذلك، يا غلام! مر المنادي فليناد: ألا!
ومن طلب شفاعة من حاشية الأمير وأهله وولده فقد برئت منه الذمة! قال الشعبي:
فوالله ما رأيت أحدا قط يشبه عبد الرحمن بن عبيد! كان إذا أتي برجل قد نقب على قوم منزلهم وضع منقبه في بطنه حتى يخرج من ظهره، وإذا أتي برجل قد شهر سلاحا قدمه فقطع يده، وإذا أتي برجل قد أحرق على قوم شيئا أمر به فأحرق بالنار حرقا، وإذا أتي برجل قد شك فيه آخره فضربه ثلاثمائة سوط وخلى عنه، وكان لا يحبس أحدا إلا في دين، وكان إذا انحدر إلى البصرة يخلف خليفة بالكوفة، وإذا رجع إلى الكوفة فخليفته بالبصرة، وكان خليفتاه جميعا يعملان في الناس كعمله.
قال: ودعا الحجاج أمية بن عبد الله (2) بن خالد بن أسيد فعقد له عقدا بولاية سجستان (3) وأمره أن يغزو أرض كابل، فسار أمية بن عبد الله في جميع عظيم حتى دخل أرض كابل وغلغل فيها، فلما أراد الخروج أرسل مالك البلد واسمه رتبيل فأخذ عليه الشعاب والعقبات والمضايق، فلم يقدر أمية على الخروج من البلد، فصالح رتبيل ملك كابل على مائتي ألف درهم، فأعطاه ذلك ثم خرج من البلد، وقد سلم وسلم أصحابه.
قال: وبلغ ذلك الحجاج، فكتب إلى عبد الملك بن مروان: يا أمير المؤمنين! إن أمية بن عبد الله اشترى النار بالجنة وزاد مائتي ألف درهم! فكتب إليه عبد الملك بن مروان أن اعزله عن البلاد وول مكانه عبيد الله بن أبي بكرة (4).
قال: فتقدم ابن أبي بكرة إلى سجستان، ثم إنه جمع الناس وغزا أرض كابل