ثم يتكلم رجل منهم حتى يأتي على آخرهم، قال الشعبي (1): فجلس يوما كما كان يجلس في أصحابه، فتكلم وتكلم (2) الناس حتى أفضى الكلام إلى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، فتكلم وأوجز وأحسن، قال: فأعجبني منه وأنا لا أعلم ما في قلبه.
قال: ثم جمع الحجاج الناس ذات يوم فقال: دلوني على رجل يصلح للشرطة، فقال له كاتبه عنبسة: أصلح الله الأمير! عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث في شرفه وجلده ومكانه من أهل مصره! فقال الحجاج: هو لها. قال الشعبي: فبادرت إليه وهو في منزل أمه أم عمران، فقلت له: البشرى يا أبا الأشعث! فقال: بماذا؟ فقلت: إن الأمير ذكر رجلا يصلح للشرطة فذكرك له عنبسة بن سعيد، قال الشعبي: فرأيته قد غضب فقال: ويحك يا أبا عمرو! ومثلي يتقلد سيفا ويمشي بين يدي ابن أبي رغال! والله ما رأيت أحدا قط على منبر يخطب إلا وظننت في نفسي أنا أحق بذلك منه! قال فقلت له: دع عنك هذا، فإن الحجاج ليس ممن يعادى ولا ينابح، فلا تسأله عن نفسك! فتبينت الكراهة في وجهه.
ثم ركب وركبت معه إلى عنبسة بن سعيد كاتب الحجاج، فلما دخلنا عليه قلت: أصلحك الله! إني قد أخبرت أبا الأشعث بما كان من برك وعنايتك ورأيك فكره ذلك! فقال عنبسة: ولم ذلك؟ قال ابن الأشعث: لأنه لا حاجة لي في ولاية الشرطة. قال الشعبي: فسكت عنبسة، فقلت له: جعلت فداك! تدارك إصلاح ذلك، فقال: أفعل ذلك. ثم ركب إلى الحجاج فلما دخل وأخذ مجلسه جعل يتناعس في المجلس، فقال له الحجاج: ولم ذلك؟ قال: لأني أشرت على الأمير أصلحه الله بعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، وهو رجل شريف شديد الحياء من الناس، فأخاف عليه الشفاعات. قال الحجاج: فلا حاجة لي فيه، ولكن دلوني على رجل يصلح لهذا الامر! فقال له بعض جلسائه: فأي رجل يريده الأمير - أصلحه الله؟ قال: دائم العبوس، طويل الجلوس، سمين الأمانة، أعجف الخيانة، يهون عليك شباك الاشراف في الشفاعات. فقال له أهل المجلس: ما نعرف مثل هذا إلا