التركي أغار هذه البلاد، فقتل من أهلها مقتلة عظيمة، وهذه رائحة القتلى. قال فقال يزيد: قبح الله قتيبة! يترك هؤلاء وهم في بيضة الاسلام ويغزو فرغانة والصين، قال فقال رجل من بني تميم: أيها الأمير! إن قتيبة قد كان أراد أن يغزو هذه الناحية غير أن الحجاج منعه من ذلك، فقال يزيد: وأين صول هذا التركي؟
فقال: صول بجرجان وعساكره بدهستان (1).
قال: فسار يزيد إلى جرجان، وخرج صول من جرجان فصار إلى دهستان واجتمعت إليه الترك، فصار في قريب من مائتي ألف إنسان وسار إليه يزيد في عشرين ومائة ألف (2) من جند الشام وجند خراسان والعراق، ودنا الفريقان بعضهم من بعض، فاقتتلوا قتالا شديدا. قال: ونظر رجل من أهل العراق يقال له محمد بن أبي سبرة إلى رجل من الترك وهو يقاتل، فحمل عليه ليضربه بسيفه وبادره التركي بضربة على بيضته فقد البيضة، وذهب التركي ليجذب سيفه عن البيضة فلم يواتئه، وانخزل عليه محمد بن أبي سبرة فضربه ضربة فقتله، ثم أقبل نحو المسلمين وسيف التركي في بيضته كأحسن شيء نظر إليه. قال: وإذا بقبيلة عظيمة من الترك قد أقبلت وفيها زهاء أربعة آلاف شاكين في السلاح، فنظر إليهم يزيد بن المهلب، فلم يكذب أن حمل عليهم بنفسه وفي إخوته وبني عمه ومواليه (3)، فهزمهم حتى بلغ بهم إلى أبواب دهستان.
قال: فلما دام الحرب على أهل دهستان ورأوا أنه لا طاقة لهم بالمسلمين كاعوا عن الحرب فلم يحاربوا، فأرسل صول صاحب الترك إلى يزيد بن المهلب يسأله الصلح، فأجابه يزيد إلى ذلك. ووقع الصلح على ألف رأس من الرقيق وسبعمائة ألف درهم وعلى أن يطأ صول بساط يزيد بن المهلب. قال: فتم الصلح على ذلك (4)، وأخذ يزيد من القوم ما أخذ، فأخرج من ذلك كله الخمس فعزله، وقسم باقي ذلك في المسلمين، فأنشأ واثلة بن خليفة السدوسي يقول في ذلك أبياتا مطلعها: