فكان يكتب إلي وأكتب إليه، ولعله قد بلغكم وقد توفي الوليد وقام بالامر من بعده أخي سليمان بن عبد الملك منذ ثلاثة (1) وعشرين شهرا، وهذا كتابه يأمرني بالقدوم عليه لامر قد دهمه من بلاد خراسان من قبل يزيد بن المهلب بن أبي صفرة، وأنا راحل إلى ما قبله إن شاء الله ولا قوة إلا بالله، فأحببت إعلامكم بذلك. قال: فبكى الناس ثم قالوا: هلم أيها الأمير حتى نبايعك، فأنت أحق بهذا الامر، فقال مسلمة: مهلا عافاكم الله! فإني رجل قد بلغ الناس عني ما قد فعلت بأرض العدو طول هذه المدة، ولا أحب أن أشق العصا وأخرج على رجل قد بايعه الناس طائعين غير مكرهين، وأنا قد بايعت أخي سليمان فبايعوه رحمكم الله! قال: فبايع الناس سليمان بن عبد الملك.
ونادى مسلمة في الناس بالرحيل، فرحلوا إلى بلاد الشام، ثم قدمت المراكب لعبور خليج البحر، ثم كتب إلى إليون ملك الروم: من مسلمة بن عبد الملك أمير المؤمنين إلى إليون صاحب الروم، أما بعد فإني قد أحببت أن أحسن إليك لأني رأيتك محبا للعاقبة وأنا راحل عنك، وقد تركت عندك مسجدي الأعظم وهو وديعتي فانظر لا تقلعن منه حجرا، لا تنقصن من سقفه خشبة، ولا تكسرن منه عودا واحدا فما سواه، وإياك أن تعبر هذا الخليج في طلبي أو تطلب أثري إذا أنا عبرت من جزيرتك هذه، فإنك أن تعديت ما أمرتك به رجعت إليك ثم لا أقلع عنك أبدا أو يهلكك الله على يدي، فاقبل من ذلك ما شئت أو دع - والسلام على عباد الله الصالحين -. قال: فكتب إليه إليون: للأمير مسلمة بن عبد الملك من عبده إليون صاحب الروم، أما بعد، فقد فهمت كتابك وجميع ما ذكرت، وأنا لك أيها الأمير على السمع والطاعة، لا أخرج عن الطاعة ولا أتعدى عن أمرك، وأما مسجدك أيها الأمير فإني أحلف لك بالنصرانية والإنجيل والمعمودية أني آمر بسد بابه، فلا يقلع منه حجر ولا يكر منه عود ولا يدخله أحد من الروم أبدا ما دمت حيا، وقد وجهت لك أيها الأمير بمائة رمكة يتبعها مائة قلو وخمسمائة ثوب بزيون وسقلاطون (2) هدية مني.
لك خاصة دون أصحابك - والسلام -. قال: فلما ورد الكتاب على مسلمة بن عبد الملك والهدايا عمد إليها فوزعها في المسلمين ولم يفضل نفسه عليهم بقليل ولا كثير.