الاجر فجعلوها حصنا لا يرام وتحصنوا به من الترك. قال: وهو حائط طويل أحد طرفيه في البحر والطرف الاخر ممدود في البلاد، لان الترك إنما كانت تأتيهم من ناحية خوارزم فلا يقدرون عليهم من أجل الحائط. قال: وكان سابور ذي الأكتاف وخسرو وهرمز بن أنو شروان وقباذ بن فيروز وغيرهم من ملوك الأعاجم قد غزوا جرجان وراموها في سالف الدهر فأعياهم ذلك ولم يقدروا عليها لحصانتها ولكثرة أهلها. قال: ثم إن أهل جرجان صالحوا الترك بعد ذلك وخالطوهم، ونزل الترك بين أظهرهم، فأقاموا فيهم ما شاء الله أن يقيموا ثم رحلوا عنهم إلى بلادهم، وبقيت منهم بقية يزيدون على أربعة آلاف فنزلوا دهستان، فكانوا يغيرون على جرجان ويؤذونهم غاية الأذى، فلم تزل بلاد جرجان على ذلك من حالها إلى أن جاء الله بالاسلام، فغزاها سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص (1) بن أمية في خلافة عثمان بن عفان (2)، فصالحوه على مائتي ألف درهم، فأخذ منهم سعيد ذلك المال وانصرف عنهم، ثم لم يغزها أحد بعد سعيد بن العاص. قال: وانقطعت الطرق أيضا إلى بلاد جرجان، فلم يكن يسلك طريق خراسان وناحية قومس إلا على وجل وخوف شديد. قال: وإنما كان الطريق إلى خراسان من ناحية فارس إلى كرمان ثم إلى خراسان. قال: وكان أول من سهل الطريق من قومس إلى خراسان قتيبة بن مسلم. قال: وكان قتيبة يكتب إلى الحجاج يستأذنه في غزو جرجان، فكتب إليه أن إياك والتوريط فيما لا طاقة لك به من جرجان وعليك بغيرها.
قال: وكان سليمان بن عبد الملك إذا سمع بفتوح قتيبة بن مسلم يقول لمن حضر من وزرائه: ألا ترون إلى فتوح قتيبة بأرض خراسان؟ قال: فكان يقول له يزيد بن المهلب: يا أمير المؤمنين! ليس هذه بفتوح ابن قتيبة عن فتح جرجان الذي قد أعيت الملوك من قبل وحالت بين الناس وبين خراسان (3). قال: فلما ولي يزيد بن المهلب خراسان لم تكن له همة إلا جرجان فسار إليها، حتى إذا تقارب منها وجد رائحة منتنة كريهة، فقال: ما هذه الرائحة؟ فقالوا: أيها الأمير! إن صول