قال: فلقيه رجل من أصحاب قتيبة يقال له إدريس فقال له: أبا المطرف! إنك قد خفت من الأمير ما لم يرده بك وقد آمنك، فالله في نفسك. قال: فالتفت وكيع إلى أصحابه وقد لحقوا به فقال: أيها الناس! هذا إدريس وهو رسول قتيبة يؤمنني إن أنا أتيته، وكذب والله ابن الحدباء! لا والله أو يؤتى برأسي أو أوتي برأسه!
قال: وجعل الناس ينادي بعضهم بعضا وهم يقولون: افزعوا إلى وكيع شيخ تميم، قال: وأقبل الناس من كل أوب، وأقبل وكيع حتى وقف بإزاء فسطاط قتيبة، فصار بنو تميم والأزد مقابل الفسطاط، وقبائل ربيعة من وراء السرادق، وقتيبة في أهل بيته، وأقبلت قبائل قيس لينصروا قتيبة، فعلموا أنهم لا طاقة لهم بأهل العسكر.
قال: وسمع قتيبة الضجة فقال: ما هذا؟ قالوا: وكيع قد أقبل في عسكر، قال: فدعا قتيبة دابته ليركبها فلم تقر الدابة ولم تقف، فقال: نحوها، فنحوها وقعد قتيبة على سريره وعليه قميص ورداء وهو معتم بعمامة بيضاء قد كانت أمه بعثت بها إليه قبل ذلك وقد احتبى بحمائل سيفه، وعنده يومئذ إخوته وجماعة من أهل بيته وعشائره، فقال له رجل من أصحابه يقال له ميسرة بن عبد الله الجدلي وكان شجاعا بطلا: أيها الأمير! إن شئت أتيتك برأس وكيع، فقال له قتيبة: اسكت، فسكت.
وأقبل رجل من موالي بني أسد يقال له يزيد بن مسلم، وقد كان قتيبة قبل ذلك ضربه وحلق رأسه ولحيته وأطافه في عسكره، فجعل يحرض الناس على قتيبة ويذكر من قتله قتيبة منهم قبل ذلك ويسميهم بأسمائهم، ويقول: أين بنو الأهتم؟ أين بشر بن صفوان؟ أين ضرار بن حسه (1) بن القاسم بن زياد؟ أين فلان؟ وأين فلان؟ قال:
فجعل يزيد بن مسلم يحض بني تميم ويذكرهم ذحولهم وقتلاهم ويجدد أحقادهم.
قال فقال قتيبة لرجل عنده: اخرج فناد: أين بنو عامر؟ فقال له رجل من بني عامر:
حيث تركتهم، فقال قتيبة: أذكركم الله والرحم! فناداه محفن بن جزء الكلابي (2):
أنت قطعتها، قال قتيبة: فلكم العتبى، قال محقن (3) بن جزء: لا أقالنا إذا إن أقلناك، قال: فجعل قتيبة يتمثل بهذين البيتين وهو يقول: