الأمير! إنك قد أخذت في شيء لا يدرى ما هو فاشرحه لنا واسلك بنا سبيلا نعرفه، فقال قتيبة: إياك عني، واسمعي يا جارة! قال: فعندها وقع في قلوب الناس وعلموا أن قتيبة مخالف على سليمان بن عبد الملك وأنه قد عزم على العصيان، فأنشأ بعضهم في ذلك يقول:
أقتيب إنك قد أتيت عظيمة * فانظر قتيبة أين أين المهرب أصبحت ناكث بيعة أعطيتها * طوعا فجلدك للخلافة أجرب مهلا فإنا لا نجيبك والذي * تدعو إليه من أمورك أعجب ما ابن المهلب بالذي يزرى به * نقص ولا في أمره متغلب ولانت أحقر والذي أنا عبده * في عينه من بقة تتذبذب فانظر لنفسك يا قتيبة فربما * نظر السفيه فضاق عنه المهرب قال: ثم دعا قتيبة برجل من أصحابه فوجه به إلى نيسابور وقال له: كن هنالك مقيما واكتب إلي بالاخبار الصحيحة من أمر يزيد بن المهلب حتى أعمل على حسب ذلك، وانظر أن لا تخفي علي شيئا من الأخبار. قال: فخرج ذلك الرجل حتى صار إلى نيسابور فنزلها، ثم جعل يستخبر الاخبار المتواترة بالصحة أن سليمان بن عبد الملك قد ولى يزيد بن المهلب أرض العراق وقد دفع إليه آل أبي عقل من أهل بيت الحجاج ليستأديهم الأموال - والسلام -.
قال قتيبة: لئن كان ولاه العراق فقد ولاه خراسان، اللهم! إني أسألك ميتة كريمة! قال: ثم عزم قتيبة على أن يأتي خوارزم فيتحصن بها، ثم بدا له في ذلك الرأي وعزم على أن يأتي فرغانة فيتحصن بها، ثم إنه قعد فافتعل كتابا على لسان سليمان بن عبد الملك: أما بعد، يا قتيبة! فقد بلغ أمير المؤمنين في الآثار الصادقة أن خليفة من خلفاء بني أمية اسمه اسم نبي يفتح الله على يديه مدينة القسطنطينية، فيجد فيها قميص آدم وجبة حواء ومائدة عيسى ابن مريم، ويفتح الله له أرض الصين فيحتوي على أموالها، وقليلها وكثيرها، وقد توجه أمير المؤمنين نحو القسطنطينية واثقا بالله وبالاخبار الصادقة أن الله عز وجل يفتحها على يديه، فانظر يا قتيبة إذا ورد عليك كتابي هذا فاغز بمن معك من المسلمين إلى أرض فرغانة، ثم سر منها إلى الصين، وعليك بالجد والجلد في أمر الله، فإن أمير المؤمنين واثق بطاعتك، عارف بيمنك وبركتك لما كان من العدو ومنك، وأنه رافعك وزائدك وصانع إليك ما لم يصنعه إلى