قال: فترك القوم حضينا، ثم صاروا إلى عبد الله بن حوذان الجهضمي، وهو يومئذ سيد من سادات الأزد، فكلموه في ذلك فلم يجبهم إلى شيء، فرجعوا إلى الحضين بن المنذر فقالوا: يا أبا محمد! إن بكر بن وائل لا تخالفك ونحن نوليك أمرنا، فقال: ما أحببت أن يكون لي في هذا الامر ناقة ولا جمل، عليكم بغيري فإن قبائل مضر لا ترضى أن تسلبوها أمرها وتقتلوا ويولى الامر عليها غيرها.
قال: فتركوه وأقبلوا إلى حيان (1) بن إياس العدوي (2) فقالوا له: نريد منك أن تمشي معنا إلى الحضين بن المنذر فتكلمه في هذا الامر. فأقبل حيان إلى الحضين فقال: يا أبا محمد! ما الذي تكره من أن تخلع قتيبة ونوليك هذا الامر؟ فقال الحضين: أذكرك الله أبا معمر أن تراجعني في هذا الامر، فوالله ما أستطيع أن أستمعه - وكان الحضين في وقته ذلك قائما فجلس، ثم قال: والله ما يحملني رجلاي مخافة أن يبلغ قتيبة ذلك، فذرني وعليك بغيري.
فخرج حيان بن إياس من عند الحضين بن المنذر، ثم بعث إلى قوم من قبائل مضر فجمعهم، ثم قال: إنه لم يكن لهذا الامر إلا هذا الاعرابي - يعني وكيع بن أبي أسود التميمي (3)، فإنه رجل مقدام بطل، لا ينظر في عاقبة، وله عشيرة تطيعه وتقبل منه (4)، فصيروا إليه. ثم صار القوم إلى وكيع بن أبي سود فكلموه في ذلك، فقال وكيع: هات يدك يا حيان! فمد حيان يده فبايع وكيعا.
قال: واتصل الخبر بقتيبة بن مسلم بأن حيان بن إياس العدوي (5) قد بايع وكيعا وأنه قد أفسد عليه الناس، فقال قتيبة: والله لقد حذرنيه الحجاج قبل هذا اليوم حين وليته أمر السغد، فقال: أحذره فإن لك منه يوما أروباتا (6).
قال: وجعل الناس يصيرون إلى وكيع بن أبي سود فيبايعونه سرا حتى بايعه