مني ما علمت، ولست آمن سليمان فهات ما عندك، قال فقال له البحتري: إذا أخبرك بذلك أن القوم قد عرفوك وعرفوا منك الطاعة، وقد علموا أن ما كان منك في العدو ليس بصغير، فهم لا يستنقذونك من قدرك وموضعك وبعد صوتك. قال فقال له قتيبة: يا أعور! أتظن أني أخاف القتل، ما أخاف ولكني لا آمن أن يولي يزيد بن المهلب خراسان فيدعوني والناس حضور عنده فيقصر بي، والموت عندي أيسر من ذلك، قال فقال له البحتري: أيها الأمير أصلحك الله! إن ظني بيزيد بن المهلب وإن ولي خراسان فإنه لا يفعل بك ما تظن، وإن فعل بك ما تخاف لن ينقصك ذلك. قال فقال قتيبة: ذر عنك هذا، ما الذي تقوله الناس؟ فقال: يقولون بأنك خالع عاص، فقال قتيبة: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال البحتري: نعم ما قلت، ولكن انتظر رسولك وما يأتيك به من عند أمير المؤمنين، فإني أظن أنه سيأتيك بعهدك، فلا تعجل فتعرض نفسك وأهل بيتك للحرب والقتال، فإنه لا يدرى على ما ينجلي أمرك، قال فقال له قتيبة: ويحك يا بحتري! إنه قد جاء رسولي بعهدي إلى حلوان، غير أن رسول أمير المؤمنين رجع بالعهد إلى الشام، وأما الحرب والقتل فو الله ما من غائب هو أحب إلي من الموت وإني لأدعو بالأعاجم خاليا ومعهم خناجرهم وسيوفهم، وما منهم إلا من قد وترته بشتم أو بضرب أو بقتل ذي محرم فأتهددهم بالضرب والقتل فما يزيدهم ذلك إلا خضوعا وذلا، وإني لأخرج ليلا فأمشي وحدي في قميص بين قوم ما منهم رجل إلا وقد نالته مني عقوبة فما يعرض لي أحد منهم، ولقد دعوت بصاحب دواتي وقد كنت ضربته بالأمس فدعوته وأنا وحدي، فقام بين يدي طويلا سيفه معه وخنجره في وسطه وأنا لا أكلمه، وأقول إنه سيفتك بي، فما فعل بي شيئا ثم خرج من بين يدي فزعا مرعوبا، فلست أخاف القتل.
قال: ثم أرسل قتيبة إلى الحضين بن المنذر البكري فدعاه ثم قال: يا أبا محمد! إني أريد أمرا وأخاف أهل خراسان وانتقاصهم على المسلمين، فقال له الحضين بن المنذر: أيها الأمير! وما هذا الامر الذي تريد؟ قال: أريد أن أوجه إلى كاشغر رجلا في خيل وإلى طريق فأحصن ذلك الطريق، قال فقال له الحضين بن المنذر: أيها الأمير! ههنا طريق واحد إن قدرت على إحكامه فالطريق كلها آمنة، قال قتيبة: وأي طريق هذا؟ فقال: طريق الاجل المقدر، قال: فغضب قتيبة وأخذ قلنسوته فضرب بها الأرض حتى انشقت، قال: فقال له الحضين: بئسما تفاءلت به