حتى قعدا جميعا في الزورق، ثم قال السجان للملاح: ادفع ولا تقف، فدفع الملاح زورقه وذلك في أوان المد وزيادة الماء، فلم يصبح القوم إلا وهم على البطائح (1)، فعدا لهم الملاح عن البطائح حتى خرج بهم إلى الشط. ثم دعا يزيد برجلين من تلك الناحية وكتب معهما كتابا إلى البصرة إلى إخوته وبني عمه ومواليه وأمرهم أن يلحقوا به، قال: وأقبلت إليه الخيل حتى وافته في موضعه ذلك (2).
قال: فركب يزيد وركب معه إخوته وبنو عمه ومواليه وركب معه السجان أيضا، وسار في جميع من معه يؤم الشام وقد أمن الحجاج.
قال: وأصبح الحجاج فاتصل به الخبر، وطلب السجان فلم يقدر عليه وضاقت عليه الأرض بما رحبت، وخاف أن يكون قد رجع إلى خراسان، فكتب إلى قتيبة بن مسلم أن كن على حذر فإن يزيد بن المهلب قد هرب من سجني ولا أدري أين توجه وأخاف أن يفسد عليك خراسان إن دخلها. قال: ومر يزيد ومن معه يؤم أرض الشام وهو لا يعرف الطريق. قال: فبينا هو كذلك إذ مر برجل من العرب راكب فرس له قد عارضه، فلما نظر إليه يزيد أمره بالوقوف، فقال له يزيد: ممن الرجل؟ قال: رجل من اليمن، قال: حياك وقربك! من أين أنت؟ قال: من أهل هذا البلد، قال: وأين لك الأهل؟ قال: في حي كذا وكذا، قال: وتخبر الطريق إلى أرض الشام؟ قال: أنا من أخبر الناس بالطريق، قال: فما اسمك؟ قال:
عبد الرحمن بن عاصم (3)، قال: يا عبد الرحمن! هل لك أن تكون دليلا إلى أرض الشام إلى أرض فلسطين، ولك عشرة آلاف درهم، وأحملك وأخلع عليك؟ فقال:
من أنت؟ قال: أنا رجل ما شددت إزاري منذ عقلت العقل إلا وأنا أمير وأخو أمير، وربما كنت أسيرا، قال فقال له الرجل: فأنت إذا يزيد بن المهلب! قال: أنا يزيد بن المهلب، وإنما هربت من سجن الحجاج أريد ابن عم لي بأرض فلسطين يقال له زهرة (4) بن عبد الرحمن الأزدي وأحببت بأن أكون في ناحية ويكون هو الذي يأخذ لي الأمان من القوم، فقال عبد الرحمن بن عاصم هذا: أيها الأمير! فأنا أوردك إلى أرض فلسطين من موضعك هذا في سبع ليال، أسير بك ليلا وأنزل بك نهارا.