قال ابن إسحاق: ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه، فلما أمسى بعث علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، في نفر من أصحابه، إلى ماء بدر، يلتمسون الخبر له عليه - كما حدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير - فأصابوا راوية لقريش فيها أسلم، غلام بنى الحجاج، وعريض أبو يسار، غلام بنى العاص بن سعيد، فأتوا بهما فسألوهما، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلى، فقالا: نحن سقاة قريش، بعثونا نسقيهم من الماء، فكره القوم خبرهما، ورجوا أن يكونا لأبي سفيان، فضربوهما. فلما أذلقوهما قالا: نحن لأبي سفيان، فتركوهما، وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد سجدتيه، ثم سلم، وقال: إذا صدقاكم ضربتموهما، وإذا كذباكم تركتموهما، صدقا، والله إنهما لقريش! أخبراني عن قريش؟
قالا: هم [والله] وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى - والكثيب:
العقنقل - فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم القوم؟ قالا: كثير، قال: ما عدتهم؟ قالا: لا ندري، قال: كم ينحرون كل يوم؟ قالا: يوما تسعا، ويوما عشرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: القوم فيما بين التسعمائة والألف. ثم قال لهما: فمن فيهم من أشراف قريش؟ قالا: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو البختري بن هشام، وحكم بن حزام، ونوفل بن خويلد، والحارث بن عامر بن نوفل، وطعيمة عن عدى بن نوفل، والنضر ابن الحارث، وزمعة بن الأسود، وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، ونبيه، ومنبه ابنا الحجاج، وسهيل بن عمرو، وعمرو بن عبد ود. فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال: هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها.
قال ابن إسحاق: وكان بسبس بن عمرو، وعدى بن أبي الرغباء قد مضيا حتى نزلا بدرا، فأناخا إلى تل قريب من الماء، ثم أخذا شنا لهما يستقيان فيه،