وإما باعث مكانه رجلا. وأوعبت قريش (1)، فلم يتخلف من أشرافها أحد، إلا أن أبا لهب بن عبد المطلب [قد] تخلف، وبعث مكانه العاصي بن هشام بن المغيرة، وكان قد لاط له بأربعة آلاف درهم كانت له عليه، أفلس بها، فاستأجره بها، على أن يجزئ عنه، بعثه فخرج عنه، وتخلف أبو لهب.
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي نجيح: أن أمية بن خلف كان أجمع القعود، وكان شيخا جليلا جسيما ثقيلا، فأتاه عقبة بن أبي معيط، وهو جالس في المسجد بين ظهراني قومه، بمجمرة يحملها، فيها نار ومجمر، حتى وضعها بين يديه، ثم قال: يا أبا على، استجمر، فإنما أنت من النساء، قال:
قبحك الله وقبح ما جئت به، قال: ثم تجهز فخرج مع الناس.
قال ابن إسحاق: ولما فرغوا من جهازهم، وأجمعوا المسير، ذكروا ما كان بينهم وبين بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب، فقالوا: إنا نخشى أن يأتونا من خلفنا، وكانت الحرب التي كانت بين قريش وبين بنى بكر - كما حدثني بعض بنى عامر بن لؤي، عن محمد بن سعيد بن المسيب - في ابن لحفص بن الأخيف، أحد بنى معيص بن عامر بن لؤي، خرج يبتغى ضالة له بضجنان، وهو غلام حدث في رأسه ذؤابة، وعليه حلة له، وكان غلاما وضيئا نظيفا، فمر بعامر بن يزيد بن عامر بن الملوح، أحد بنى يعمر بن عوف ابن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وهو بضجنان، وهو سيد بنى بكر يومئذ، فرآه فأعجبه، فقال: من أنت يا غلام؟ قال:
أنا ابن لحفص بن الأخيف القرشي، فلما ولى الغلام، قال عامر بن يزيد:
يا بنى بكر، أما لكم في قريش من دم؟ قالوا: بلى والله، إن لنا فيهم لدماء، قال: ما كان رجل ليقتل (هذا؟) الغلام برجله إلا كان قد استوفى دمه. قال:
(هامش ص 443) (1) أوعبت قريش: أي خرجوا كلهم أجمعون، وأراد جمعوا من رجالهم ما استطاعوا.