فاجمعوا ما تهدونه له.
وكان أحب ما يهدى إليه من أرضنا الأدم (الجلود).
فجمعنا أدما كثيرا، ثم خرجنا حتى قدمنا على النجاشي (الحبشة).
وكان رسول الله قد بعث عمرو بن أمية الضمري بكتاب إلى النجاشي كتب فيه إليه أن يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان (1). فوالله إنا لعند النجاشي إذ جاء عمرو الضمري فدخل على النجاشي ثم خرج من عنده.
فدخلت على النجاشي، فسجدت له، كما كنت اصنع، فقال: مرحبا بصديقي!
أهديت لي من بلادك شيئا؟ قلت: نعم أيها الملك، أهديت لك أدما كثيرا. ثم قربته إليه فأعجبه، وفرق منه أشياء بين بطارقته، ثم أمر بسائره فادخل في موضع ليحتفظ به وأمر أن يكتب.
فلما رأيت طيب نفسه قلت له: أيها الملك اني قد رأيت رجلا خرج من عندك، وهو رسول رجل عدو لنا قد وترنا وقتل أشرافنا وخيارنا! فأعطينه فاقتله!
فرفع يده فضرب بها أنفي ضربة ظننت أنه كسره، وابتدر منخري بالدم، فجعلت أتلقى الدم بثيابي. فقلت له: أيها الملك لو ظننت أنك تكره ما فعلت ما سألتك. فقال: يا عمرو، تسألني أن أعطيك رسول رسول الله الذي يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، والذي كان يأتي عيسى بن مريم لتقتله؟!
فقلت له: أيها الملك أتشهد بهذا؟ قال: نعم، أشهد به عند الله، فأطعني واتبعه، والله إنه لعلى الحق، وليظهرن على من خالفه، كما ظهر موسى على فرعون وجنوده!