وقال الواقدي: وكان سلمة بن الأكوع يقول: خرجت في الغداة أريد لقاح رسول الله في الغابة لآتيه بلبنها، وكانت إبل عبد الرحمان بن عوف دون إبل النبي، فيها غلام لعبد الرحمان فلقيته فأخبرني أن عيينة بن حصن قد أغار في أربعين فارسا على لقاح رسول الله.
فرجعت بفرسي إلى المدينة حتى أشرفت على ثنية الوداع فصرخت بأعلى صوتي ثلاثا: يا صباحاه! (1) وبلغ رسول الله صياح بن الأكوع، فصرخ بالمدينة:
الفزع الفزع (2) ثم طلع رسول الله مقنعا في الحديد ووقف، فكان أول من أقبل إليه المقداد بن عمرو عليه الدرع والمغفر شاهرا سيفه، فعقد له رسول الله لواء في رمحه وقال له: امض حتى تلحقك الخيول ونحن على أثرك.
قال المقداد: فخرجت وأنا أسأل الله الشهادة، حتى أدركت أخريات العدو وقد أعيا فرس لهم فنزل عنه صاحبه وارتدف خلف أحدهم، وتأخر الفرس عنهم، فأخذت الفرس وربطت في عنقه قطعة وتر وخليته، وأدركت منهم رجلا يدعى مسعدة فطعنته برمح فيه اللواء فزل الرمح وأعجزني هربا، ونصبت لوائي ليراه أصحابي فلحقني أبو قتادة على فرس له، ثم استحث فرسه فتقدم علي حتى غاب عني ثم لحقته فإذا هو قد قتل مسعدة وسجاه ببرده.
وقال سلمة: ولحقت القوم فجعلت أرميهم بالنبل وأقول: خذها وأنا ابن الأكوع! وما زلت أكافحهم وأقول: قفوا قليلا يلحقكم أربابكم من المهاجرين والأنصار، حتى انتهيت بهم إلى ذي قرد (3).