المغولي الجارف، وكان لا يصح التسليم وترك الوثنية تحل محل الاسلام فإذا عجز المسلمون اليوم عن مقابلة السيف بالسيف فإنهم لن يعجزوا عن مقابلة آثاره بالعلم والثقافة والدعوة الحسنة، ولن يتأتى ذلك إذا باد العلماء وانقرضت الكتب، لذلك اتخذ الطوسي من مرصد مراغة حجة لجمع الجم الغفير من العلماء وحمايتهم من القتل، كما انصرف إلى استخلاص الكتب وجمعها وحفظها فادت النتيجة إلى أن ينقلب الامر ويعود المغول بعد ذلك مسلمين منافحين عن الاسلام.
مرصد مراغة أول مرصد هو مرصد ابرخسن في اليونان أنشئ قبل الميلاد.
وبعده بحوالي ثلاثة قرون أنشئ مرصد بطليموس في الإسكندرية.
اما في الاسلام فان أول مرصد أنشئ كان مرصد الخليفة المأمون في بغداد، وفي أواخر القرن الثالث أنشئ مرصد محمد بن جابر البتاني في الشام، وأنشئ في مصر المرصد الحاكمي وأنشئ في بغداد مرصد آخر.
ولما اقترح الطوسي على هولاكو انشاء مرصد مراغة ووافقه على ذلك جمع عديدا من العلماء ليعاونوه في العمل وباشر بانشائه سنة 657 وظل يعمل فيه حتى وفاته وسمي الزيج المستنبط من هذا المرصد الزيج الإيلخاني ونشره في كتاب خاص احتوى على جداول وطرائف حسابية جديدة لم تكن معروفة من قبل. لذلك كان هذا الزيج هو المعتمد عليه في أوربا في عصر النهضة جامعة مراغة قال محمد مدرسي زنجاني في كتابه سركذشت وعقائد فلسفي خاجه نصير الدين الطوسي:
فضلا عن مقام الطوسي العلمي استطاع بتأثيره على مزاج هولاكو أن يستحوذ تدريجيا على عقله، وأن يروض شارب الدماء فيوجهه إلى اصلاح الأمور الاجتماعية والثقافية والفنية، فادى الامر إلى أن يوفد هولاكو فخر الدين لقمان بن عبد الله المراغي إلى البلاد العربية وغيرها ليحث العلماء الذين فروا بأنفسهم من الحملة المغولية فلجؤوا إلى أربل والموصل والجزيرة والشام ويشوقهم إلى العودة، وأن يدعو علماء تلك البلاد أيضا إلى الإقامة في مراغة.
وكان فخر الدين هذا رجلا كيسا حسن التدبير فاستطاع أن ينجز مهمته على أحسن وجه، فعاد العلماء إلى بلادهم.
ومن جهة ثانية شغل الطوسي بتأسيس مكتبة في مراغة بلغ عدد كتبها 400 ألف مجلد وقرر رواتب دائمة لطلاب المدارس والمعاهد بحسب أهميتها.
وجاء في البداية والنهاية:
عين الخواجة نصير الدين الطوسي لكل من الفلاسفة ثلاثة دراهم يوميا ولكل من الأطباء درهمين ولكل من الفقهاء درهما واحدا ولكل من المحدثين نصف درهم، لذلك اقبل الناس على معاهد الفلسفة والطب أكثر من اقبالهم على معاهد الفقه والحديث بينما كانت تلك العلوم من قبل تدرس سرا آه وهكذا اجتمع حوله العدد الوافر من الطلاب واقبل العلماء من كل ناحية إلى تلك الديار وطافوا حوله كالفراشات على النور، واشتغلوا بكشف دقائق العلوم عالم دمشقي في مراغة لقد لقيت دعوة الطوسي استجابة كبرى لا من العلماء النازحين فحسب بل من غيرهم من العلماء العرب وغير العرب الذين لبوا الدعوة فرحلوا إلى مراغة حيث اجتمع هناك علماء من دمشق ومن الموصل ومن قزوين ومن تفليس ومن سائر البلاد الاسلامية.
ويحسن هنا أن نذكر ما كتبه العالم الدمشقي مؤيد الدين العرضي في مقدمة رسالته التي أنشأها في شرح آلات مرصد مراغة وأدواته والعرضي هذا أحد العلماء العرب الذين لبوا دعوة رسول الطوسي فترك دمشق ومضى إلى مراغة عاملا تحت لواء الطوسي في الميدان العلمي الواسع.
واليك ما كتبه في مقدمة رسالته:...
وكذلك كله بإشارة مولانا المعظم والامام الأعظم العالم الفاضل المحقق الكامل قدوة العلماء وسيد الحكماء أفضل علماء الاسلاميين بل المتقدمين وهو من جمع الله سبحانه فيه ما تفرق في كافة اهل زماننا من الفضائل والمناقب الحميدة وحسن السيرة وغزارة الحلم وجزالة الرأي وجودة البديهة والإحاطة بسائر العلوم فجمع العلماء اليه وضم شملهم بوافر عطائه وكان بهم أرأف من الوالد على ولده فكنا في ظله آمنين وبرؤيته فرحين كما قيل:
نميل على جوانبه كانا * نميل إذا نميل على أبينا ونغضبه لنخبر حالتيه * فنلقى منهما كرما ولينا وهو المولى نصير الملة والدين محمد بن محمد الطوسي أدام الله أيامه، ولقد كنت:
واستكبر الاخبار قبل لقائه * فلما التقينا صغر الخبر الخبر فلله أيام جمعتنا بخدمته وأبهجتنا بفوائده وأن كانت قد أبعدتنا عن الأوطان والعشيرة والولدان فان هي وجوده عوضا عن غيره ومن وجده فما فاته شئ ومن فاته فقد عدم كل شئ فلا أخلانا الله منه وأمتعنا بطول بقائه.
النتائج الخطيرة لتنظيمات الطوسي مضى هولاكو فتولى الحكم بعده ابنه أباقا خان، ثم مضى أباقا خان فولي الحكم ابن هولاكو الآخر تكودار، وكانت أغراس الطوسي قد بدأت تؤتي اكلها فإذا بابن هولاكو يعلن اسلامه. وإذا كان الطوسي في ذلك الحين قد لقي وجه ربه فقد كان هناك تلميذه ومن أقرب المقربين اليه قطب الدين أبو الثناء محمود بن مسعود الشيرازي فاستدعاه