وكل غلام مل درعيه نجدة * ولوثة اعرابية وتغطرف لنا الدولة الغراء ما زال عندها * من الجور واق أو من الظلم منصف بعيدة صوت في العلا غير رافع * بها صوته المظلوم والمتحيف ونحن أعز الناس شرقا ومغربا * وأكرم ابصار على الأرض تطرف بنو كل فياض اليدين من الندى * إذا جاد ألغى ما يقول المعنف وكل محيا بالسلام معظم * كثير اليه الناظر المتشوف وابيض بسام كان جبينه * سنا قمر أو بارق متكشف حيي فان سيم الهوان رأيته * يشدو لا ماضي الغرارين مرهف لنا الجبهات المستنيرات في العلا * إذا التثم الأقوام ذلا وأغدفوا وهو مع كل هذه الحماسة يفتخر بأنه تمكن من الهرب يوم القبض على الخليفة الطائع وسلم مما أصيب به أكثر القضاة والأشراف وغيرهم من الحاضرين من الامتهان وسلب الثياب فيقول:
إعجب لمسكة نفس بعد ما رميت * من النوائب بالابكار والعون ومن نجائي يوم الدار حين هوى * غيري ولم أخل من حزم ينجيني مرقت منها مروق النجم منكدرا * وقد تلاقت مصاريع الردى دوني وكنت أول طلاع ثنيتها ومن ورائي شر غير مأمون تولية المناصب لم يمنع الشريف الرضي انتظامه في سلك العلماء والفقهاء وأعاظم الأدباء من تولي أعلى المناصب. في عمدة الطالب انه ولي نقابة الطالبيين مرارا وكانت اليه امارة الحج والمظالم كان يتولى ذلك نيابة عن أبيه، ثم تولى ذلك بعد وفاة أبيه مستقلا وحج بالناس مرات، وقصائده الحجازيات من أشهر شعره.
شعره في الهجاء من مميزات الرضي انه ليس له شعر في الهجاء يشبه هجاء الشعراء الذين كانوا يهجون بقبيح القول والألفاظ الفاحشة ويصرحون بمن يهجونه، ويكون هجاؤهم وتركهم له تابعا للاعطاء والمنع. فالشريف ان وجد في شعره ما يشبه الهجاء فهو بألفاظ نقية وأدب وتورع عن التصريح باسم المهجو. فهو قد كان يربأ بنفسه ان يصدر منه في الهجاء شئ مما يتعاطاه الشعراء كما أشار إلى ذلك بقوله:
واني إذا ابدى العدو سفاهة * حبست عن العوراء فضل لسانيا وكنت إذا التاث الصديق قطعته * وان كان يوما رائحا كنت غاديا وقال:
وان مقام مثلي في الأعادي * مقام البدر تنبحه الكلاب رموني بالعيوب ملفقات * وقد علموا باني لا أعاب واني لا تدنسني المخازي * واني لا يروعني السباب ولما لم يلاقوا في عيبا * كسوني من عيوبهم وعابوا وقال:
وجاهل نال من عرضي بلا سبب * أمسكت عنه بلا عي ولا حصر وقوله:
وأغضيت اللواحظ عن ذنوب * وموضعها لعيني غير خاف ولكن الحمية في تأبى * قراري للرجال على التكافي فما سهمي السديد من النوابي * ولا باعي الطويل من الضعاف وقوله:
وغر آكل بالغيب لحمي * وان لاكله داء عياء يسئ القول اما غبت عنه * ويحسن لي التجمل واللقاء وفاؤه من أدل الدلائل على وفاء الرضي ان يكون له رجل من الاعراب صديقا يقال له ابن ليلى واسمه عمرو وكنيته أبو العوام كما ظهر ذلك كله من شعر الشريف فيرثيه الرضي بعدة قصائد، وهو من امراء العرب، ولم يكن من المشهورين فان المؤرخين لم يذكروا عنه شيئا وغاية ما يمكننا ان نعتقده انه كان بينه وبين الرضي مودة فاستحق هذا الرثاء، وفيه يقول:
وأين كفارس الفرسان عمرو * إذا رزء من الحدثان فاجا بحق كان أولهم ولوجا * على هول وآخرهم خراجا ويموت اعرابي آخر تكون بينه وبين الشريف بعض الصلات فيرثيه بقصيدة غراء ولا يصرح باسمه، يقول فيها:
منابت العشب لا حام ولا راع * مضى الردي بطويل الرمح والباع القائد الخيل يرعيها شكائمها * والمطعم البذل للديمومة القاع وابن جني يشرح قصيدة للشريف فيمدحه على ذلك. وإبراهيم بن ناصر الدولة كان بينه وبين الشريف صداقة رثاه بعد موته بقصيدة طويلة.
ويبلغه ان الصاحب بن عباد وقع اليه شئ من شعر الرضي، فأعجب به، وانفذ إلى بغداد لاستنساخ تمام شعره، فيمدحه بقصيدة طويلة يقول فيها:
بهداه يستضوي الورى وبهديه * قرب الطريق لهم إلى المعبود أسد إذا جر القبائل خلفه * حل الطلى بلوائه المعقود بيني وبينك حرمتان تلاقتا * نثري الذي بك يقتدي وقصيدي ووصايل الأدب التي تصل الفتى لا باتصال قبائل وجدود ورثاؤه للصابي الذي يجلب في ذلك العصر شيئا من الملام، فيقول فيه:
أ علمت من حملوا على الأعواد * أرأيت كيف خبا ضياء النادي إلى أن يقول:
الفضل ناسب بيننا إن لم يكن * شرفي مناسبه ولا ميلادي ثم يشير إلى أن الذي دعاه إلى رثائه هو الوفاء، فيقول:
لا در دري ان مطلتك ذمة * في باطن متغيب أو بادي ورثاؤه للخليفة الطائع بعد موته، فان المدح في الحياة يكون له داع من طمع في جاه أو مال، اما الرثاء بعد الموت لخليفة مات منحى عن الخلافة، لا يكون داعية الا الوفاء.
وهو يرثي أبا عبد الله الحسين بن أحمد المعروف بابن الحجاج الشاعر الهزلي المشهور، لمجرد صداقة كانت بينهما. ويرثي إبراهيم بن ناصر الدولة لمجرد الصداقة أيضا.
شعره في المديح مدح الشريف الخلفاء والملوك الذين عاصرهم، ووصفهم بالصفات التي اعتاد الشعراء ان يصفوا بها ممدوحيهم. ولكنه امتاز عنهم بأنه كان أبعد عن المبالغة المفرطة وعن ان يكون داعيه إلى المدح حب الفوز بصلاتهم وجوائزهم فقط لما جبل عليه من الأنفة وعلو النفس ولكنه لا يمتنع مع ذلك