احمل الضيم في بلاد الأعادي * وبمصر الخليفة العلوي من أبوه أبي ومولاه مولاي * إذا ضامني البعيد القصي لف عرقي بعرقه سيدا الناس * جميعا محمد وعلي أرسل الخليفة القادر بالله القاضي أبا بكر الباقلاني إلى والد الرضي يعاتبه فأنكر الرضي الشعر، فقال أبوه اكتب للخليفة بالاعتذار والقدح بنسب المصري، فامتنع واعتذر بالخوف من دعاة المصريين، فإنه لو كان قد كتب في المحضر لم يمتنع من الكتابة إلى الخليفة بالاعتذار والقدح في نسب المصري.
مكانته العلمية وآثاره كان أوحد علماء عصره، وقرأ على اجلاء الأفاضل، فكان أديبا بارعا متميزا، وفقيها متبحرا، ومتكلما حاذقا، ومفسرا لكتاب الله وحديث رسوله محلقا، واخفت مكانة أخيه المرتضى العلمية شيئا من مكانته العلمية، كما أخفت مكانته الشعرية شيئا من مكانة أخيه المرتضى الشعرية، ولهذا قال بعض العلماء: لولا الرضي لكان المرتضى أشعر الناس، ولولا المرتضى لكان الرضي اعلم الناس. وظهر فضله في مؤلفاته، فقد ألف كتبا منها كتاب حقائق التأويل في متشابه التنزيل قال عنه ابن جني أستاذ الرضي: صنف الرضي كتابا في معاني القرآن الكريم يتعذر وجود مثله. والحق يقال ان من يتأمل فيما ذكره الرضي في ذلك الكتاب من دقائق المعاني يعلم صدق قوله انه يتعذر وجود مثله، وقد وجد منه الجزء الخامس فقط وطبع في العراق. وكتاب مجازات الآثار النبوية أبدع فيه ما شاء وأبان عن فضل باهر ومعرفة بدقائق العربية، وقد طبع في بغداد، ثم أعيد طبعه طبعا متقنا في مصر. وكتاب تلخيص البيان عن مجازات القرآن نظير كتاب مجازات الآثار النبوية قال فيهما مؤلفهما انهما عرينان لم أسبق إلى قرع بابهما. وكتاب الخصائص ذكر فيه خصائص أئمة أهل البيت. وكتاب اخبار قضاة بغداد وتعليق على خلاف الفقهاء، وتعليق على ايضاح أبي علي الفارسي. وكتاب الزيادات في شعر أبي تمام.
ومختار شعر أبي إسحاق الصابي. وكتاب ما دار بينه وبين إسحاق الصابي من الرسائل. وكتاب رسائله في ثلاث مجلدات ومن ذلك يظهر أنه ألف في النحو والتاريخ والفقه والتفسير وغيرها.
نهج البلاغة ومما جمعه الشريف كتاب نهج البلاغة اختاره من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع وغيره خفي ان من يريد اختيار أنفس الجواهر من بين الجواهر الكثيرة لا بد ان يكون جوهريا حاذقا. فكان الرضي في اختياره أبلغ منه في كتاباته كما قيل عن أبي تمام لما جمع ديوان الحماسة من منتخبات شعر العرب انه في انتخابه أشعر منه في شعره. وقد لاقى ديوان الحماسة من القبول عند الناس اقبالا كثيرا وشرحه أعاظم العلماء وكذلك نهج البلاغة لاقى في الشهرة والقبول ما هو اهله وشرح بشروح كثيرة تنبو عن الاحصاء، وكان مفخرة من أعظم مفاخر العرب والإسلام.
نثره كما كان الشريف شاعرا فذا، فقد كان كاتبا بليغا ومنشئا قديرا، فقد ذكروا ان له كتاب رسائل في ثلاث مجلدات وان كان هذا الكتاب قد فقد في جملة ما فقد من الآثار العربية العظيمة التي لعبت لها أيدي الزمان وفرقتها سهام الحوادث ولا يوجد منه اليوم الا رسائل قليلة في ضمن المؤلفات.
شعره: غزله ونسيبه ومما امتاز به شعر الشريف إنطباعه بطابع العروبة والبداوة ولا سيما حجازياته التي كان ينظمها في نجد والحجاز، فتساعده رقة الهواء واتساع الفضاء ومشاهدة العرب الصميميين من اهل تلك الديار على طبع قصائده بطابع الرقة والبداوة مضافا إلى ما في طبعه من ذلك. وهذا ظاهر في شعره لا نحتاج إلى إقامة الشواهد عليه، مع أنه يكفي فيه ما سنورده من شعره في الفنون المختلفة. ومن مميزاته ايراده الكثير من الألفاظ العربية الرقيقة العذبة المصقولة المتون التي هي أشهى إلى السماع من بارد الماء على الظما كلفظ الجزع، ووادي الأراك، والركب اليمانين، وسرعان الريح، واحم غضيض الناظرين كحيل، وحو اللثاث، والضرب والشمول، وثور حاد، ظباء معاطيل، الربرب العيف، نسيم البان، والنقا، والأناعم ولوثة أعرابية، وهو كثير يعسر استقصاؤه.
تعاطى الشريف الرضي في غزله ما تعاطاه الشعراء من وصف حالات الوصال وما يجري مجراها مما أكثره داخل تحت: وانهم يقولون ما لا يفعلون ولكن الشريف الرضي في أكثر غزلياته أقرب إلى الآداب وابعد عن كثير مما يتعاطاه الشعراء من الألفاظ الغرامية فمن غزلياته التي مزجها بالحماسة ونحى فيها إلى مناحي الشعراء عند وصفهم الوصال قوله:
تضاجعني الحسناء والسيف دونها * ضجيعان لي والسيف أدناهما مني إذا دنت البيضاء مني لحاجة * أبى الأبيض الماضي فأبعدها عني وان نام لي في الجفن انسان ناظر * تيقظ عني ناظر لي في الجفن وقالت هبوه ليلة الخوف ضمه * فما عذره في ضمه ليلة الأمن ومن غزله الذي ينحو به مناحي باقي الشعراء في وصف الوصال، قوله:
يا ليلة النفح هلا عدت ثانية * سقى زمانك هطال من الديم ماض من العيش لو يفدى بذلت له * كرائم المال من خيل ومن نعم وظبية من ظباء الإنس عاطلة * تستوقف العين بين الخمص والهضم لو أنها بفناء البيت سانحة * لصدتها وابتدعت الصيد في الحرم قدرت منها بلا رقبى ولا حذر * على الذي نام عن ليلي ولم أنم بتنا ضجيعين في ثوبي هوى وتقى * يلفنا الشوق من فرع إلى قدم وأمست الريح كالغيرى تجاذبنا * على الكثيب فضول الريط واللمم يشي بنا الطيب أحيانا وآونة * يضيئنا البرق مجتازا على أضم وبيننا عفة بايعتها بيدي * على الوفاء بها والرعي للذمم يا حبذا لمة بالرمل ثانية * ووقفة ببيوت الحي من أمم دين عليك فان تقضيه أحي به * وان أبيت تقاضينا إلى حكم وقوله من قصيدة وهو ما ظهر فيه طابع العروبة، وسالت الرقة من جوانبه وتنزه عما تستعمله الشعراء في غزلها وتجلبب بجلباب الأدب والكمال، وهو:
زار والركب حرام * أوداع أم سلام طارقا والبدر لا * يحفزه الا الظلام وحلول ما قرى نا * زلهم الا الغرام بدلوا الدار فلما * نزلوا القلب أقاموا