قال: اللهم آل محمد. اللهم آل محمد. اللهم آل محمد. ثلاثا رحمه الله تعالى.
وقال روكس بن زائد العزيزي:
لقد امتاز هذا الشاعر بمزايا لم تجتمع لسواه فقد كان خير مصور لاتجاهات عصره في شعره، وانقطع لمدح آل البيت مدحا كاد يكلفه حياته لو كان حافظا للقرآن الكريم من فقهاء الشيعة المعدودين، ولعله أول من أجاد الجدل الفقهي، وناظر في التشيع جهرة، وهو أمر يحتاج إلى شجاعة أدبية غريبة. وقد كان الكميت كاتبا حسن الخط وكان في أول أمره معلما، فلا عجب إذا عرضته مهنته لشئ من الاحتقار، تأثرا بالعقلية التي كانت تحقر مهنة التعليم وترى في المعلمين فئة مستضعفة.
والكميت بعد هذا من أعاظم الشعراء الذين عرفهم العصر الأموي، ومن أصدقهم عاطفة ولا يلام إذا رأيناه يتذبذب وهو يريد الاحتفاظ بدمه.
يظهر لنا خلقه المترفع وإخلاصه لآل البيت من الحادثة التالية:
طاف عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر على دور بني هاشم ومعه أربعة من غلمانه، ومعهم ثوب يضعون فيه هبات بني هاشم للكميت، وكان عبد الله يقول لأهل البيوت التي يدخلها: يا بني هاشم! قال فيكم الشعر حين صمت الناس عن فضلكم، وعرض دمه لبني أمية بما قد رأيتم. فكان الرجل يطرح في الثوب ما يقدر عليه من دراهم ودنانير، أما النساء فإنهن كن يبعثن بحلاهن يخلعنها عن أجسادهن فبلغ ما اجتمع من ذلك نحو مائة ألف درهم فقدمها للكميت قائلا:
أتيناك بجهد المقل، ونحن في دولة عدونا، وقد جمعنا هذا المال وفيه حلى النساء كما ترى، فاستعن به على دهرك!.
أجاب الكميت: بأبي أنت وأمي، قد أكثرتم وأطبتم، وما أردت بمدحي إياكم إلا الله ورسوله، ولم اك لآخذ لذلك ثمنا من الدنيا فاردده إلى أهله. فجهد به عبد الله أن يقبله بكل حيلة فأبى.
فلو لم يكن له إلا هذا الموقف لكان أعظم دليل على بطولة الرجل النفيسة، وصدقه وإخلاصه.
وقال محمد العيساوي الجمي: الكميت أول من أدخل الجدل المنطقي في الشعر العربي، فهو مجدد بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى.
وشعره ليس عاطفيا كبقية الشعراء، بل إن شعره، شعر مذهبي، ذهني، عقلي، فهو شاعر يناضل عن فكرة عقائدية معينة، وعن مبدأ واضح، ومنهج صحيح، ودعوة آمن بها وكرس لها حياته، وجهده وتحمل في سبيلها الأذى ومات بسببها.
وأغلب شعره السياسي أو الهاشميات كما سمى ديوانه، نظمه ما بين سنة 105 ه حتى آخر سنة 120 ه. وكان قبل هذه الفترة مدح آل المهلب. والبعض من بني أمية. وربما مدح الآخرين تقية وكان الشاعر في صراع مرير مع خالد القسري نائب الأمويين في العراق.
وهاشميات الكميت المطولة لا تبتدئ ببكاء الأطلال، والوقوف على الدمن من الآثار على عادة من سبقوه من الشعراء. بل يبدؤها بحب آل البيت الهاشمي والنسيب بهم. وها هو يبدأ إحدي هاشمياته قائلا:
طربت وما شوقا إلى البيض أطرب * ولا لعبا مني وذو الشيب يلعب ولكن إلى أهل الفضائل والنهي * وخير بني حواء والخير يطلب والذي يتتبع مدح الكميت في الهاشميين لا يجده مدحا فقط، أعني لا يجده ذكر محاسن وبيان فضائل فحسب، بل يجد مدحه للهاشميين عبارة عن حجاج قوي، ومنطق لا يقبل الرد والدحض وهو محامي بارع أصيل، يعرف كيف يدافع عن موكله. ويلصق التهم بالمدعي على صاحبه. فشعره إذن: شعر عقلي، وهو أول من أدخل التفكير العقلي، والجدل المنطقي في شعرنا العربي. ضنا لحريته وهنا بدأ في مدح الأمويين.
والكميت شاعر شيعي، عميق التشيع، عقلي الشعر، قوي الحجة، متين الجدل والأدلة وهو شاعر له خطة معينة يتبعها، وفكرة دينية يناضل في سبيلها، ومذهب سياسي معارض للحكومة يعبر عنه في صراحة، وبدون مواربة أو دجل. وهو أول من أدخل التقرير والاحتجاج للعلويين في الدفاع عنهم، وعن حقهم المهضوم المغتصب.
فشعر الكميت الأسدي إذن: عبارة عن مناظرات عقلية عميقة، يقوم بها لفائدة الهاشميين وهي تعتمد على الاقناع العقلي الصرف. فهو يؤيد وجهة نظره بأدلة عقلية، منطقية، قوية ويعضدها بآي القرآن الكريم، ولقد كان: لسنا، فصيحا، ذكيا، سريع البديهة حاضر الحجة قريب الدليل، غزير المنطق الجدلي، والبحث، والمقارنة. فها هو يقول من قصيدة في الهاشميات:
بخاتمكم غصبا تجوز أمورهم * فلم أر غصبا مثله يتغضب وجدنا لكم في آل حاميم آية * تأولها منا تقي ومعرب وفي غيرها آيا وأيا تتابعت * لكم نصب فيها لذي الشك منصب بحقكم أمست قريش تقودنا * وبالفذ منها والرديفين نركب وقالوا ورثناها أبانا وأمنا * وما ورثتهم ذاك أم، ولا أب يرون لهم فضلا على الناس واجبا * سفاها وحق الهاشميين أوجب ولكن مواريث ابن آمنة الذي * به دان شرقي لكم ومغرب فدى لك موروثا أبي وأبو أبي * ونفسي، ونفسي بعد بالناس أطيب وتستخلف الأموات غيرك كلهم * ونعتب لو كنا على الحق نعتب يقولون لم يورث ولولا تراثه * لقد شركت فيه بكيل وأرحب وعك، ولخم، والسكون وحمير * وكندة، والحيان: بكر وتغلب ولا تنشلت عضوين منها يحابر * وكان لعبد القيس عضو مؤرب وما كانت الأنصار فيها أذلة * ولا غيبا عنها إذ الناس غيب هم شهدوا بدرا وخيبر بعدها * ويوم حنين، والدماء تصبب فان هي لم تصلح لقوم سواهم * فان ذوي القربى أحق وأقرب هذه القصيدة كلها حجاج لبني هاشم، ورد على ما ادعاه الأمويون... وضمن الكميت قصيدته أدلة من القرآن الكريم. فهو وجد في آي حاميم آية لفائدة بني هاشم، وفي غير حاميم وجد آيا وآيا، تفيد وتثبت حق الهاشميين في الخلافة الاسلامية. ولكن بني أمية اغتصبوها جهرة وبادعاء إنهم ورثوها عن آبائهم. وكيف ورثوها؟ ومع ذلك يقولون أن الرسول لا يورث. وما تركه صدقة؟ وبحق الهاشميين أصبحت قريش تقودهم والمسلمين جميعا، وبالفذ ويقصد به معاوية والرديفين من جاء بعده. ويبلغ بالشاعر العجب عند قوله: