وهو ينشد: فلما فرع قال له: أ يسرك أني أبوك؟ قال: أما أبي فلا أريد به بدلا ولكن يسرني أن تكون أمي. فحصر الفرزدق وقال ما مر بي مثلها.
ويقال ما جمع أحد من علم العرب ومناقبها ومعرفة أنسابها ما جمع الكميت. وقيل كان في الكميت عشر خصال لم تكن في شاعر: كان خطيب بني أسد. وفقيه الشيعة. وحافظ القرآن. وكان كاتبا حسن الخط. وكان نسابة. وكان جدليا وهو أول من ناظر في التشيع مجاهرا بذلك. وكان راميا لم يكن في بني أسد جرمي منه. وكان فارسا وكان شجاعا وكان سخيا دينا.
قال الجاحظ: ما فتح للشيعة الحجاج الا الكميت بقوله:
فان هي لم تصلح لحي سواهم * فان ذوي القربى أحق وأوجب يقولون لم يورث ولولا تراثه * لقد شركت فيها بكيل وأرحب سبب غضب هشام عليه:
ولما هجا الكميت خالد بن عبد الله القسري عامل هشام على العراقين أراد خالد أن ينتقم منه فروي جارية حسناء قصائده الهاشميات.
وأعدها ليهديها إلى هشام. وكتب إليه باخبار الكميت وبهجائه بني أمية وأنفذ إليه قصيدته التي يقول فيها:
فيا رب هل إلا بك النصر يبتغي * ويا رب هل إلا عليك المعول وهو يرثي فيها زيد بن علي. وابنه الحسين بن زيد. ويمدح بني هاشم ويهجو بني أمية. فلما قرأها أكبرها وعظمت عليه واستنكرها. وكتب إلى خاله يقسم عليه أن يقطع لسانه ويده. فلم يشعر إلا والخيل محدقة بداره. فاخذ وحبس. وكان أبان بن الوليد البجلي عاملا على واسط وصديقا للكميت. فبعث إليه بغلام وقال له أنت حر إن لحقته: وكتب إليه: بلغني ما صرت إليه وهو القتل إلا أن يدفع الله. وأرى أن تبعث إلى حبي زوجة الكميت وهي ممن يتشيع أيضا فإذا دخلت إليك تنقبت نقابها ولبست ثيابها وخرجت فاني أرجو أن لا يؤبه لك. فبعث إلى حبي وقص عليها القصة وفعل بما أشار به عليه وخرج هاربا. فمر بالسجان فظن أنه المرأة فلم يعرض له فنجا وأنشأ يقول:
علي ثياب الغانيات وتحتها * عزيمة أمر أشبهت سلة النصل رضى هشام عليه وصفحه عنه:
ثم بعد أن أقام مدة متواريا وأيقن أن الطلب قد خف. سار في جماعة من بني أسد إلى الشام وقدم اعتذاره إلى هشام وطلب منه الأمان من القتل ولم يزل به حتى أجاره. وروى أن الكميت أرسل وردا ابن أخيه زيد إلى أبي جعفر. محمد بن علي وقال له: إن الكميت أرسلني إليك وقد صنع بنفسه ما صنع فتأذن له أن يمدح بني أمية قال نعم هو في حل فليقل ما شاء. وقيل: لما دخل الكميت على هشام سلم ثم قال: يا أمير المؤمنين غائب آب. ومذنب تاب. محا بالإنابة ذنبه. وبالصدق كذبه. والتوبة تذهب الحوبة. ومثلك حلم عن ذي الجريمة. وصفح عن ذي الريبة.
فقال له: ما الذي نجاك من خالد القسري؟ قال صدق النية في التوبة.
قال: ومن سن لك ألغى وأورطك فيه؟ قال: الذي أغوى آدم فنسي ولم يجد له عزما فان رأيت يا أمير المؤمنين تأذن لي بمحو الباطل بالحق.
بالاستماع لما قلته فأنشده:
ذكر القلب إلفه المهجورا * وتلافي من الشباب أخيرا أورثته الحصان أم هشام * حسبا ثاقبا ووجها نضيرا وكساه أبو الخلائف مروا * ن سني المكارم المأثورا لم تجهم له البطاح ولكن * وجدتها له معانا ودورا وكان هشام متكئا فاستوى جالسا وقال هكذا فليكن الشعر. ثم قال: قد رضيت عنك يا كميت. فقال الكميت: يا أمير المؤمنين إن أردت أن تزيد في تشريفي لا تجعل لخالد علي إمارة. قال: قد فعلت وكتب له بذلك وأمر له بجوائز وعطايا جزيلة. وكتب إلى خالد أن يخلي سبيل امرأته ويعطيها العطايا الجزيلة. وقيل للكميت: إنك قلت في بني هاشم فأحسنت وقلت في بني أمية أفضل. قال: إني إذا قلت أحببت أن أحسن.
محبته لآل البيت وإخلاصه لهم:
قيل أن الكميت دخل على أبي عبد الله جعفر بن محمد ع في أيام التشريق بمنى فقال له جعلت فداك إني قلت فيكم شعرا أحب أن أنشدكه. فقال: يا كميت اذكر الله في هذه الأيام المعدودات فأعاد عليه القول فرق له أبو عبد الله فقال هات: وبعث أبو عبد الله إلى أهله فقرب فأنشده فكثر البكاء حتى أتى على قوله:
يصيب به الرامون عن قوس غيرهم * فيا آخرا أسدى له الغي أول فرفع أبو عبد الله يديه فقال: اللهم اغفر للكميت. ودخل أيضا على أبي جعفر محمد بن علي فأعطاه ألف دينار وكسوة. فقال له الكميت:
والله ما أحببتكم للدنيا ولو أردت الدنيا لأتيت من هي في يديه. ولكني أحببتكم للآخرة أما الثياب التي أصابت أجسامكم فانا أقبلها لبركتها وأما المال فلا أقبله.
وحكي صاعد مولى الكميت. قال: دخلت معه على علي بن الحسين. فقال: إني قد مدحتك بما أرجو أن يكون لي وسيلة عند رسول الله ص ثم أنشده قصيدته: من لقلب متيم مستهام. فلما أتى على آخرها قال له ثوابك نعجز عنه ولكن ما عجزنا عنه فان الله لا يعجز عن مكافأتك وأراد أن يحسن إليه فقال له إن أردت أن تحسن إلى فادفع إلى بعض ثيابك التي تلي جسدك أتبرك بها فنزع ثيابه ودفعها إليه ثم قال: اللهم إن الكميت جاد في آل رسول الله وذرية نبيك بنفسه حين ضن الناس وأظهر ما كتمه غيره من الحق فاحيه سعيدا وأمته شهيدا وأره الجزاء عاجلا فانا قد عجزنا عن مكافاته. قال: الكميت ما زلت أعرف بركة دعائه.
وفاته:
وتوفي في خلافة مروان بن محمد سنة ست وعشرين ومائة وكان السبب في موته أنه مدح يوسف بن عمر بعد عزل خالد القسري عن العراق. فلما دخل عليه أنشده مديحه معرضا بخالد وكان الجند على رأس يوسف متعصبين لخالد فوضعوا سيوفهم في بطنه وقالوا: أ تنشد الأمير ولم تستأمره فلم يزل ينزف الدم منه حتى مات. وكان مبلغ شعره حين مات خمسة آلاف ومائتين وتسعة وثمانين بيتا. وروى عن المستهل بن الكميت أنه. قال: حضرت أبي عند الموت وهو يجود بنفسه ثم أفاق ففتح عينيه ثم