صنع علي أمير المؤمنين ودخلت فيما دخل فيه وخرجت مما خرج منه فإنه لا يدخل الا في هدى وصواب.
بطولته في القتال من الصور التي نقلها نصر بن مزاحم عن بسالة الأشتر يوم صفين قوله: كان الأشتر في ميمنة الناس وابن عباس في الميسرة وعلي في القلب.
والأشتر في هذه الحال يسير ما بين الميمنة والميسرة فيأمر كل قبيلة أو كتيبة من القراء بالاقدام على التي تليها فلم يزل يفعل ذلك حتى أصبح والمعركة خلف ظهره. وجعل يقول لأصحابه وهو يزحف بهم ازحفوا قيد رمحي هذا فان فعلوا قال ازحفوا قاب هذا القوس. ثم دعا بفرسه وركز رايته وكانت مع حيان بن هوذه النخعي، واقبل الأشتر على فرس له كميت محذوف قد وضع مغفرة على قربوس السرج وهو يقول: اصبروا يا معشر المؤمنين فقد حمي الوطيس!.
وخرج يسير في الكتائب ويقول: الا من يشتري نفسه لله ويقاتل مع الأشتر حتى يظهر أو يلحق بالله فلا يزال الرجل من الناس يخرج إليه ويقاتل معه.
ويقول واحد في تلك الحال: اي رجل هذا لو كان له نية!. فيقول له صاحبه: وأي نية أعظم من هذه ثكلتك أمك وهبتك، ان رجلا فيما قد ترى قد سبح في الدماء وما أضجرته الحرب وقد غلت هام الكماة من الحر وبلغت القلوب الحناجر، وهو كما ترى يقول هذه المقالة!.
ثم الأشتر في أصحابه فقال شدوا فدى لكم عمي وخالي شدة ترضون بها لله وتعزون بها الدين، فإذا شددت فشدوا، ثم نزل وضرب وجه دابته، ثم قال لصاحب رايته: اقدم فاقدم بها ثم شد على القوم وشد معه أصحابه يضرب العدو حتى بهم إلى معسكرهم فقاتلوا عند المعسكر قتالا شديدا فقتل صاحب رايته. واخذ علي لما رأى الظفر قد جاء من قبله بحده بالرجال.
رأيه في علي بن أبي طالب قال من خطبة له: معنا ابن عم نبينا وسيف من سيوف الله علي بن أبي طالب صلى مع رسول الله لم يسبقه إلى الصلاة ذكر حتى كان شيخنا. لم يكن له صبوة ولا نبوة ولا هفوة ولا سقطة، فقيه في دين الله تعالى عالم بحدود الله وعليكم بالحزم والجد. واعلموا انكم على حق وان القوم على الباطل. انما تقاتلون معاوية وأنتم مع البدريين قريب من مائة بدري سوى ما حولكم من أصحاب محمد، أكثر ما كان معكم رايات فقد كانت مع رسول الله، وعدونا مع رايات قد كانت مع المشركين على رسول الله، فمن يشك في قتال هؤلاء الا ميت القلب، أنتم على احدى الحسنيين، اما الفتح أو الشهادة، عصمنا الله وإياكم بما عصم به من أطاعه واتقاه، وألهمنا وإياكم طاعته وتقواه واستغفر الله لي ولكم.
وله من خطبة أخرى في صفين: الحمد لله الذي جعل فينا ابن عم نبيه أقدمهم هجرة وأولهم اسلاما، سيف من سيوف الله حبه الله على أعدائه. فانظروا إذا حمي الوطيس ونار القتال وتكسر المران، وجالت الخيل بالابطال فلا اسمع الا غمغمة أو همهمة فاتبعوني وكونوا في أثري.
الأشتر زعيم الثورة الشعبية قال سعيد بن العاص الأموي والي عثمان على الكوفة لسماره:
السواد يقصد سواد العراق بما فيه من مزارع وبساتين بستان لقريش وبني أمية!.
فقال له الأشتر: أ تزعم ان السواد الذي أفاده الله على المسلمين بأسيافنا بستان لك ولقومك!. والله ما يزيد أوفاكم فيه نصيبا الا ان يكون كأحدنا، وتكلم معه القوم، فقال عبد الرحمان الأسدي وكان على شرطة سعيد: أثر دون على الأمير مقالته!. وأغلظ لهم، فقال الأشتر: من ها هنا؟ لا يفوتنكم الرجل فوثبوا عليه فوطئوه وطا شديدا حتى غشي عليه.
ثم إن سعيدا نفى الأشتر مع تسعة آخرين إلى الشام بامر عثمان، ثم ردوهم إلى الكوفة، وكان فساد الحكم قد بلغ ذروته فلم يطق الأشتر وصحبته السكوت. فنفوهم مرة ثانية إلى حمص، وكتب عثمان إلى الأشتر وصحبه: اما بعد فاني سيرتكم إلى حمص فإذا اتاكم كتابي هذا فاخرجوا إليها فإنكم لستم تالون الاسلام وأهله شرا. والسلام فلما قرأ الأشتر الكتاب قال: اللهم أسوأنا نظرا للرعية وأعملنا فيهم بالمعصية فعجل له النقمة.
فكتب بذلك سعيد بن العاص إلى عثمان وسار الأشتر وأصحابه إلى حمص. ثم عادوا إلى بلدهم.
واستمر استهتار الحكام وعتبهم بالناس قال الطبري: اجتمع ناس من المسلمين في الكوفة فتذاكروا اعمال عثمان وما صنع فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا اليه رجلا يكلمه ويخبره باحداثه فأرسلوا اليه عامر بن عبد الله التميمي وهو الذي يدعى عامر بن عبد قيس، فاتاه فدخل عليه، فقال إن ناسا من المسلمين اجتمعوا فنظروا في اعمالك فوجدوك قد ركبت أمورا عظاما فاتق الله عز وجل وتب اليه وانزع عنها.
فقال له عثمان: انظر إلى هذا فان الناس يزعمون أنه قارئ، ثم يجئ فيكلمني في المحقرات فوالله ما يدري أين الله. قال عامر: انا لا أدري أين الله؟! قال: نعم والله ما تدري أين الله. قال عامر: بلى والله اني لأدري ان الله بالمرصاد لك.
وكان سعيد بن العاص ومعظم عمال عثمان الذين ضج الناس من عسفهم موجودين في المدينة فعقد عثمان منهم مؤتمرا للنظر في امر النقمة الشعبية فكان من أبي سعيد بن العاص القضاء على الزعماء ومن رأي عبد الله بن عامر قوله: تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك وان تجبرهم في المغازي حتى يذلوا لك فلا يكون همة أحدهم الا نفسه.
ثم رد عثمان عماله إلى بلدانهم وأمرهم بالتضييق على الناس وأمرهم بتجمير الناس في البعوث أي ارسالهم إلى الغزو وعزم على تحريم أعطياتهم ليطيعوه ويحتاجوا اليه.
ورجع سعيد بن العاص أميرا على الكوفة يحمل هذه التعليمات فخرج اهل الكوفة عليه بالسلاح فتلقوه فردوه وقالوا: لا والله لا يلي علينا حكما ما حملنا سيوفنا.
فرجع سعيد بن العاص إلى عثمان مطرودا، فأرسل عثمان مكانه أبا موسى الأشعري.