يقولون لم يورث ولولا تراثه * لقد شركت فيه بكيل وأرحب وعك، ولخم، والسكون، وحمير * وكندة والحيان: بكر وتغلب فيقول: إذا كان الرسول لا يورث كما يدعى ذلك فان لكل قبيلة الحق في الخلافة وإذا كان يورث فبنو هاشم أولى بالخلافة لقرابتهم من الموروث.
فهو يأخذ حجته وأدلته من حجج الأمويين وأدلتهم. ولهذا كانت هاشميات الكميت الجديدة في مظهرها وخصائصها في شعرنا العربي القديم والعصر الأموي إذن: فالكميت يعتمد في تأييد مذهبه بشيئين اثنين:
هما الأدلة العقلية المنطقية، والقرآن الكريم...
وشعر الكميت يخالف شعر الشيعة مخالفة كبيرة. إذ كان غيره من شعراء الشيعة المعاصرين له يعتمدون على البكاء، والرثاء، والتحسر، وإظهار التألم، والأنين طريقهم في جميع ذلك العاطفة، ولا شئ سواها.
ولهذا قيل إن الهاشميات تؤرخ نزعة عقلية جديدة في اللغة العربية لم تكن معروفة قبل الكميت.
ولهذا أرى مدحه لبني أمية كان اضطرارا وخوفا، لا طمعا في المال والجاه. ونرى الكميت يأتي بالأوصاف التي يجب أن تتوفر في الامام. فنراه يقول في الهاشميات:
الحماة الكفاة في الحرب إن لف حزاما وقودها بضرا والغيوث الذين إن أمحل الناس فمأوى حواضن الأيتام غالبيين هاشميين في العلم ربوا من عطية العلام وهم الآخذون من ثقة أ فمر بتقواهم عرى لا انفصام القريبين من ندى والبعيدين من الجور منى عرى الأحكام راجحي الوزن كاملي العدل في السيرة طيبين بالأمور الجسام ساسة لا كمن يرى رعية الناس سواء ورعية الأنعام لا كعبد المليك أو كوليد أو سليمان بعد أو كهشام رأيه منهم كرأي دوي الثلة في الثائجات جنح الظلام جز ذي الصوف وانتقاء لذي المخنة وانعق ودعدها بالهام فهم الأرأفون بالناس في الرأفة والأحلمون في الأحلام أخذوا القصد واستقاموا عليه حين مالت زوامل الآثام هذه القصيدة عبارة عن مقارنة بين أئمة الشيعة الذين يعدلون ولا يجورون في الأحكام وهم المتصفون بصفة الحلم، وسعة الصدر وهم بهذه الصفات المذكورة في القصيدة يختلفون عن حكام بين أمية كعبد الملك بن مروان، والوليد، وسليمان، وهشام بن عبد الملك الحكام الأمويين الجائرين في حكم الناس والمبتعدين عن العدل، والذين يبطشون بمخالفيهم بطش الجبابرة العتاة والذين يسوقون المسلمين كالأنعام، ويعتبرونهم كالبقرة الحلوب يتمتعون بمنافعها ويمتصون دماءها بدون رحمة أو شفقة.
ونحن نجد الكميت دائما يقيم المعادلات ويقدم المقارنات بين جور الأمويين وعدل الهاشميين فائمة الشيعة يحكمون بالكتاب والسنة. أما الأمويون فهم أصحاب جور وبدع وضلالات:
لهم كل عام بدعة يحدثونها * أزلوا بها اتباعهم ثم أوحلوا كما ابتدع الرهبان ما لم يجئ به * كتاب ولا وحي من الله منزل تحل دماء المسلمين لديهم * ويحوم طلع النخلة المتهدل فيا رب هل إلا بك النصر تبتغي * عليهم، وهل إلا عليك المعول والكميت لا يترك قضية النص، نص الرسول ص على علي بن أبي طالب ع في حديث غدير خم فيقول:
ويوم الدوح دوح غدير خم * أبان له الوصاية لو أطيعا ويحدد الكميث موقفه من المذاهب والتشيع فيصبح قائلا:
وما لي الا آل احمد شيعة * وما لي الا مذهب الحق مذهب وعند قتل زيد بن علي رثاه الشاعر بقصيدة نأخذ منها هذه الأبيات:
وعطلت الأحكام حتى كأننا * على ملة غير التي تتنحل أ أهل كتاب نحن فيه وأنتم * على الحق نقضي بالكتاب ونعدل كان كتاب الله يعني بامره * وبالنهي فيه الكودني المركل فتلك ملوك السوء قد طال ملكهم * فحتام حتام العناء المطول الحقيقة التي لا مراء فيها ولا جدال إن شعر الكميت شئ جديد على شعرنا العربي فهو يدل على الخطوات العقلية التي خطاها العرب.
والاحتجاج، في الشعر، ذلك الطابع الجديد، في شعرنا العربي، في دولة بني أمية اشتهر به الكميت، وهو أول شاعر رصد أكثر شعره لخدمة فكرة عقائدية معينة في العهد الأموي. وديوانه المسمى بالهاشميات هو وقف على فكرة الهاشميين واعتقاد الشيعة أو أتباع البيت العلوي على التحديد والهاشميات عبارة عن مجموعة ضخمة من الحجج والأدلة سواء كانت من العقل والذهن أو من القرآن الكريم، وكلها قيلت في تأييد حق الهاشميين في الخلافة الاسلامية.
وما عدا الكميت من الشعراء كان معظم شعرهم مجرد تصوير عاطفي، حماسي، مطبوع بطابع الحزن، والثورة في بعض الأحايين.
في معجم الشعراء للمرزباني كان أحمر كذا ومنزله الكوفة ومذهبه في التشيع ومدح أهل البيت ع في أيام بني أمية مشهور ومن قوله فيهم:
فقل لبني أمية حيث كانوا * وإن خفت المهند والقطيعا أجاع الله من أشبعتموه * وأشبع من بجوركم أجيعا وروي أن أبا جعفر محمد بن علي ع لما أنشده الكميت هذه القصيدة دعا له. وللكميت في هشام وبني مروان:
مصيب على الأعواد يوم ركوبها * بما قال فيها مخطئ حين ينزل كلام النبيين الهداة كلامنا * وأفعال أهل الجاهلية نفعل وله في رواية اليزيدي:
يمشين مشي قطا البطاح تأودا * قب البطون رواجح الأكفال يرمين بالحدق القلوب فما ترى * إلا صريع هوى بغير نبال وله في رواية دعبل:
لعمري لقوم المرء خير بقية * عليه وإن عالوا به كل مركب إذا كان في قوم عدى لست منهم * فكل ما علفت من خبيث وطيب