فنادى في العسكر بالرحيل وأن لا يتخلف عن الرها أحد من غد يومه وجمع الأمراء عنده وقال قدموا الطعام وقال لا يأكل معي على مائدتي هذه إلا من يطعن غدا معي بباب الرها فلم يتقدم إليه غير أمير واحد وصبي لا يعرف لما يعلمون من إقدامه وشجاعته وأن أحدا لا يقدر على مساواته في الحرب فقال الأمر لذلك الصبي ما أنت في هذا المقام فقال أتابك دعه فوالله إني أرى وجها لا يتخلف عني.
وسار والعساكر معه ووصل إلى الرها وكان هو أول من حمل على الفرنج وحمل ذلك الصبي وحمل فارس من خيالة الفرنج على أتابك عرضا فاعترضه ذلك الأمير فطعنه فقتله وسلم الشهيد ونازل البلد وقاتله ثمانية وعشرين يوما فزحف إليه عدة دفعات وقدم النقابين فنقبوا سور البلد ولج في قتاله خوفا من اجتماع الفرنج والمسير إليه واستنقاذ البلد منه فسقطت البدنة التي نقبها النقابون [وأخذ] البلد عنوة وقهرا وحصر قلعته فملكها أيضا ونهب الناس الأموال وسبوا الذرية وقتلوا الرجال.
فلما رأى أتابك البلد أعجبه ورأى أن تخريب مثله لا يجوز في السياسة فأمر فنودي في العساكر برد ما أخذوه من الرجال والنساء والأطفال إلى بيوتهم وإعادة ما غنموه من أثاثهم وأمتعتهم فردوا الجميع عن آخره لم يفقد منه شيء إلا النادر الذي أخذ وفارق من أخذه العسكر فعاد البلد على حاله الأول وجعل فيه عسكرا يحفظه وتسلم مدينة سروج وسائر الأماكن التي كانت بيد الفرنج شرقي الفرات ما عدا البيرة فإنها حصينة منيعة وعلى شاطئ الفرات فسار إليها وحصرها وكانوا قد أكثروا ميرتها ورجالها،