زنكي حينئذ في البلد وزحف إليه زحفا شديدا ظنا منه أنه ربما يقع بين المقدمين والأمراء خلاف فيبلغ به الغرض وكان ما أمله بعيدا فلما مات جمال الدين ولي بعده مجير الدين أبق ولده وتولى ترتيب دولته معين الدين أنز فلم يظهر لموت أبيه أثر مع أن عدوهم على باب المدينة فلما رأى أنز أن زنكي لا يفارقهم ولا يزول عن حصرهم راسل الفرنج واستدعاهم إلى نصرته وأن يتفقوا على دفع زنكي عن دمشق وبذل لهم بذولا وأن يحضر بانياس ويأخذها ويسلمها وخوفهم من زنكي إن ملك دمشق فعلموا صحة قوله وعلموا أنه إن ملكها لا يبقي لهم معه بالشام مقام وأن الفرنج اجتمعوا وعزموا على المسير إلى دمشق ليجتمعوا مع صاحبها وعسكرها على قتال زنكي فحين علم زنكي بذلك سار إلى حوران خامس رمضان عازما على قتال الفرنج قبل أن يجتمعوا بالدمشقيين، فلما سمع الفرنج خبره لم يفارقوا بلادهم فلما رآهم كذلك عاد إلى حصر دمشق [ونزل] بعذرا شماليها سادس شوال فأحرق عدة قرى من المرج والغوطة ورحل عائدا إلى بلاده.
ووصل الفرنج إلى دمشق واجتمعوا بصاحبها وقد رحل زنكي فعادوا فسار معين الدين أنز إلى بانياس في عسكر دمشق وهي في طاعة زنكي كما تقدم ذكره ليحصرها ويسلمها إلى الفرنج وكان واليها قد سار قبل ذلك منها بجمعة إلى مدينة صور للإغارة على بلاده فصادفه صاحب أنطاكية وهو قاصد إلى دمشق نجدة لصاحبها على زنكي فاقتتلا فانهزم المسلمون وأخذوا إلى بانياس فقتل ونجا من سلم إلى بانياس وجمعوا معهم كثيرا من البقاع وغيرها وحفظوا القلعة فنازلها معين الدين فقاتلهم وضيق عليهم ومعه طائفة من الفرنج فأخذها وسلمها إلى الفرنج.