عاقبة هذا التواني فقال أخرج إلى الناس ففرقهم عنا واحضر غدا واختر من العسكر ما تريد؛ ففرقت الناس وعرفتهم ما أمر به من تجهيز العساكر وحضرت الغد إلى الديوان فجهزوا إلي طائفة عظيمة من الجيش فأرسلت إلى نصير الدين بالموصل أعرفه ذلك وأخوفه من العسكر إن طرقوا البلاد فإنهم يملكونها، فأعاد الجواب يقول البلاد لا شك مأخوذة فلأن يأخذها المسلمون خير من أن يأخذها الكافرون.
فشرعنا في التحميل وإذا قد وصلني كتاب أتابك زنكي من الشام يخبر برحيل ملك الروم ويأمرني بأن لا أستصحب من العسكر أحدا فعرفت السلطان ذلك فقال العسكر قد تجهزت ولا بد من الغزاة إلى الشام؛ فأعد الجهد وبذل الحزم له ولأصحابه حتى عاد العسكر.
ولما عاد ملك الروم عن شيزر مدح الشعراء أتابك زنكي وأكثروا فمن ذلك ما قاله المسلم بن الخضر بن قسيم الحموي من جملة قصيدة أولها:
(بعزمك أيها الملك العظيم * تذل لك الصعاب وتستقيم) ومن جملتها هذه الأبيات:
(ألم تر أن كلب الروم لما * تبين أنه الملك الرحيم) (فجاء فطبق الفلوات خيلا * كأن الجحفل الليل البهيم) (وقد نزل الزمان على رضاه * ودان لخطبه الخطب العظيم) (فحين رميته بك في خميس * تيقن أن ذلك لا يدوم) (وأبصر في المفاوضة منك جيشا * فأحرب لا يسير ولا يقيم) (كأنك في العجاج شهاب نور * توقد وهو شيطان رجيم) (أراد بقاء مهجته فولى * وليس سوى الحمام له حميم)