جليل القدر عندهم وعادوا خاسرين وأقاموا ثلاثة أيام فلم يروا فيها طمعا فرحلوا إلى قلعة الأثارب فخاف من فيها من المسلمين فهربوا عنها تاسع شعبان فملكها الروم وتركوا فيها سبايا بزاعة والأسرى ومعهم جمع من الروم يحفظونهم ويحمون القلعة وساروا فلما سمع الأمير أسوار بحلب ذلك رحل فيمن عنده من العسكر إلى الأثارب فأوقع بمن فيها من الروم فقتلهم وخلص الأسرى والسبي وعادوا إلى حلب.
وأما عماد الدين زنكي فإنه فارق حمص وسار إلى سلمية فنازلها وعبر ثقله الفرات إلى القرة وأقام جريدة ليتبع الروح ويقطع عنهم الميرة.
وأما الروم فإنهم قصدوا شيزر فإنها من أمنع الحصون وإنما حصروها لأنها لم تكن لزنكي فلا يكون له في حفظها اهتمام وانما كانت للأمير أبي العساكر سلطان بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني فنازلوها ونصب عليها ثمانية عشر منجنيقا فأرسل صاحبها إلى زنكي يستنجده فسار إليه فنزل على نهر العاصي بالقرب منها بينها وبين حماة وكان يركب كل يوم ويسير إلى شيزر هو وعساكره ويقفون بحيث يراهم الروم ويرسل السرايا فتأخذ من ظفرت به منهم.
ثم انه أرسل إلى ملك الروم يقول له انكم قد تحصنتم مني بهذه الجبال فانزلوا منها إلى الصحراء حتى نلتقي فإن ظفرت بكم أرحت المسلمين منكم وان ظفرتم استرحتم وأخذتم شيزر وغيرها. ولم يكن له بهم قوة وانما كان يرهبهم بهذا القول وأشباهه فأشار فرنج الشام على ملك الروم بمصافقته وهونوا أمره عليه فلم يفعل وقال أتظنون أن ليس له من العسكر إلا ما ترون إنما هو يريد أن تلقونه فيجيئه من نجدات المسلمين ما لا حد له.