أن ينصبوا خيامهم ويحموا نفوسهم به فاشتد القتال عليهم من سائر الجهات ومنعوهم عما أرادوا ولم يتمكنوا من نصب خيمة غير خيمة ملكهم لا غير وأخذ المسلمون صليبهم الأعظم الذي يسمونه صليب الصلبوت ويذكرون أن فيه قطعة من الخشبة التي صلب عليها المسيح عليه السلام بزعمهم فكان أخذه عندهم من أعظم المصائب عليهم وأيقنوا بعده بالقتل والهلاك هذا والقتل والأسر يعملان في فرسانهم ورجالتهم فبقي الملك على التل في مقدار مائة وخمسين فارسا من الفرسان المشهورين والشجعان المذكورين.
فحكى لي عن الملك الأفضل ولد صلاح الدين قال كنت إلى جانب أبي في ذلك المصاف وهو أول مصاف شاهدته فلما صار ملك الفرنج على التل في تلك الجماعة حملوا حملة منكرة على من بإزائهم من المسلمين حتى ألحقوهم بوالدي. قال: فنظرت إليه وقد علته كآبة واربد لونه وأمسك بلحيته وتقدم وهو يصيح كذب الشيطان قال فعاد المسلمون على الفرنج فرجعوا فصعدوا إلى التل فلما رأيت الفرنج قد عادوا والمسلمون يتبعونهم صحت من فرحي هزمناهم فعاد الفرنج فحملوا حملة ثانية مثل الأولى ألحقوا المسلمين بوالدي وفعل مثل ما فعل أولا وعطف المسلمون عليهم فألحقوهم بالتل فصحت أنا أيضا هزمناهم فالتفت والدي إلي وقال اسكت ما نهزمهم حتى تسقط تلك الخيمة قال فهو يقول لي وإذا الخيمة قد سقطت فنزل السلطان وسجد شكرا لله تعالى فبكى من فرحه.
وكان سبب سقوطها أن الفرنج لما حملوا تلك الحملات ازدادوا عطشا وقد كانوا يرجون الخلاص في بعض تلك الحملات مما هم فيه فلم يجدوا