عز الدين والدته إلى صلاح الدين ومعها ابنة عمه نور الدين محمود بن زنكي وغيرهما من النساء وجماعة من أعيان الدولة يطلبون منه المصالحة وبذلوا له الموافقة والأنجاد بالعساكر ليعود عنهم وإنما أرسلهن لأنه وكل من عنده ظنوا أنهن إذا طلبن منه الشام أجابهن إلى ذلك لا سيما ومعهم ابنة مخدومه وولي نعمته نور الدين فلما وصلن إليه أنزلهن وأحضر أصحابه واستشارهم فيما يفعله ويقوله فأشار أكثرهم بإجابتهن إلى ما طلبن منه؛ وقال له الفقيه عيسى وعلي بن أحمد المشطوب وهما من بلد الهكارية من أعمال الموصل مثل الموصل لا يترك لامرأة فإن عز الدين ما أرسلهن إلا وقد عجز عن حفظ البلد.
ووافق ذلك هواه فأعادهن خائبات واعتذر بأعذار غير مقبولة ولم يكن إرسالهم عن ضعف ووهن إنما أرسلهن طلبا لدفع الشر بالتي هي أحسن فلما عدن رحل صلاح الدين إلى الموصل وهو كالمتيقن أنه يملك البلد وكان الأمر بخلاف ذلك فلما قارب البلد نزل على فرسخين منه وامتد عسكره في تلك الصحراء بنواحي الحلة المراقية وكان يجري بين العسكر مناوشات بظاهر الباب العمادي وكنت إذ ذاك بالموصل وبذل العامة نفوسهم غيظا وحنقا لرده النساء فرأى صلاح الدين ما لم يكن يحسبه فندم على رده النساء ندامة الكسعي حيث فاته الذكر وملك البلد وعاد على الذين أشاروا بردهن باللوم والتوبيخ.
وجاءته كتب القاضي الفاضل وغيره ممن ليس له هوى في الموصل يقبحون فعله وينكرونه وأتاه وهو على الموصل زين الدين يوسف ابن زين الدين صاحب إربل فأنزله ومعه أخوه مظفر كوكبري وغيرهما من الأمراء بالجانب الشرقي من الموصل وسير من المنزلة علي بن أحمد المشطوب الهكاري إلى قلعة الجزيرة من بلد الهكارية فحصرها واجتمع