ثم رجع إلى معسكره وصبح البلد وكان نزوله عليه في رجب فنازله وضايقه ونزل محاذي باب كندة وأنزل صاحب الحصن بباب الجسر وأنزل أخاه تاج الملوك عند باب العمادي وأنشب القتال فلم يظفر وخرج إليه يوما بعض العامة فنالوا منه ولم يمكن عز الدين ومجاهد الدين أحدا من العسكر [أن] يخرجوا لقتال بل ألزموا الأسوار ثم إن تقي الدين أشار على عمه صلاح الدين بنصب منجنيق فقال مثل هذا البلد لا ينصب عليه منجنيق ومتى نصبناه أخذوه ولو خربنا برجا وبدنه من يقدر على الدخول للبلد وفيه هذا الخلق الكثير فألح تقي الدين وقال نجربهم به فنصب منجنيقا فنصب عليه من البلد تسعة منجنيقات وخرج جماعة من العامة فأخذوه وجرى عنده قتال كثير فأخذ بعض العامة لالكة من رجليه فيها المسامير الكثيرة ورمى بها أميرا يقال له جاولي الأسدي وكبيرهم فأصاب صدره فوجد لذلك ألما شديدا وأخذ اللالكة وعاد عن القتال إلى صلاح الدين وقال قد قاتلنا أهل الموصل بحماقات ما رأينا بعد مثلها وألقى اللالكة وحلف أنه لا يعود يقاتل عليها أنفة حيث ضرب بهذه.
ثم إن صلاح الدين رحل من قرب البلد ونزل متأخرا خوفا من البيات فإنه لقربه كان لا يأمن ذلك وكان سببه أيضا أن مجاهد الدين في بعض الليالي جماعة من باب السر الذي للقلعة ومعهم المشاعل فكان أحدهم يخرج من الباب وينزل إلى دجلة مما يلي عين الكبريت ويطفئ المشعل فرأى العسكر الناس يخرجون فلم يشكوا في الكبسة فحملهم ذلك على الرحيل والتأخر ليتعذر البيات على أهل الموصل.
وكان صدر الدين شيخ الشيوخ رحمه الله قد وصل إليه قبل نزوله على الموصل ومعه بشير الخادم وهو من خواص الخليفة الناصر لدين الله في الصلح فأقاما معه على الموصل وترددت الرسل إلى عز الدين ومجاهد الدين في الصلح فطلب عز الدين إعادة البلاد التي أخذت منهم فأجاب صلاح الدين إلى ذلك بشرط أن تسلم إليه حلب فامتنع عز الدين ومجاهد