فتركناه حتى نام، وعلمنا على رجله بالحبر فبقيت العلامة نحو يومين مكانها أقول قد يبقي الحبر إياما على العضو مع تتابع الوضوء والغسل وخاصة عضو من لا يرى التدليك فرضنا في الطهارة بل يكتفي بإسالة الماء في غسله ووضوئه ولا أدري كيف سكت من كان يتردد عليه الطلب العلم عن الانكار عليه أو النصح له أو الحديث معه في الصلاة ان كان ما ذكروا دليلا عندهم على تركه للصلاة وعلى كل حال فالأصل البراءة حتى يثبت الناقل.
وقال ابن كثير في البداية: كان حنبلي المذهب كثير البكاء رقيق القلب وقد تكلموا فيه بأشياء الله اعلم بصحتها والذي يغلب على الظن انه ليس لغالبها صحة وقد كانت ملوك بني أيوب كالمعظم والكامل يكرمونه وان كانوا لا يحبونه كثيرا وقد فوض إليه المعظم التدريس بالعزيزية فلما ولي الأشرف عزله لاشتغاله بالمنطق وعلوم الأوائل، فلزم بيته حتى توفي في صفر سنة 631 ه عن ثمانين سنة انتهي، وقد برأه ابن كثير مما رمي به في الجملة فأنصفه من خصومة وأنصف خصومه منه.
أقول ان الآمدي درس الفلسفة بأقسامها المختلفة وتوغل فيها وتشعب بها روحه حتى ظهر أثر ذلك في تأليفه. ومن قرأ كتبه وخاصة ما الفه في علم الكلام وأصول الفقه يتبين له ما ذكرت، كما يتبين له منها انه كان قوي العارضة كثير الجدل واسع الخيال كثير التشقيقات في تفصيل المسائل والترديد والسبر والتقسيم في الأدلة إلى درجة قد تنتهي بالقارئ أحيانا إلى الحيرة.
فمن كره من الولاة والعلماء منطق اليونان والخوض في سائر علوم الفلسفة وخاصة ما يتعلق منها بالإلهيات وكره كثرة الجدل والاسترسال في الخيال والاكثار من تأويل النصوص وذكر الاحتمالات خشية ما تفظي إليه من الحيرة والمتاهات مع قلة الجدوى منها تارة وعدم الفائدة أحيانا كالأشرف والذهبي كره الآمدي دينا. وأنكر عليه ما رآه منكرا، وقد يجد في كتبه ومسلكه في تأليفها ما يؤيد رأيه فيه ويدعوا إلى النيل منه.