غير أنهم قصروا في جانب الأمثلة والتطبيق فلا يوجد في كتبهم من ذلك الا النزر اليسير، ثم هو تقليدي يرثه الاخر عن الأول فلا تنويع ولا تجديد ولا تطبيق لماجد من القضايا في العهود المختلفة وأكثروا مع ذلك من الجدل والخيال والفروض وألوان الاحتمال، وذكر مسائل لا تدعو لها الحاجة، وقد عرفت هذه الطريقة بطريقة علماء الكلام، وممن نسج على منوالها في تأليفه أبو الحسين محمد بن علي البصري المعتزلي الشافعي في كتابه المعتمد، وأبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني الأشعري الشافعي الشهير بامام الحرمين في كتابه البرهان، وأبو حامد محمد بن محمد الغزالي الأشعري الشافعي في كتابه المستصفى، فهؤلاء و من سلك سبيلهم لم يراعوا في تأليفهم فروع مذهب معين انما همهم تفصيل القواعد الأصولية وإيضاحها بالأمثلة وذكر خلاف العلماء فيها والاستدلال عليها ومناقشة الأدلة وترجيح ما يرونه، وقد جمع ما في هذه الكتب فخر الدين محمد بن عمر الرازي الأشعري الشافعي في كتابه المحصول، وأبو الحسن علي بن أبي علي محمد بن سالم السيف الآمدي الأشعري الشافعي في كتابه (الاحكام) مع بسط في القول ووضوح في العبارة.
ومنهم من أكثر من المسائل الفقهية، وعني فيها بالانتصار لمذهب معين، وقرر إلى جانبها قواعد أصولية على ضوء ما حكم به امامه في هذه المسائل، فكان صنيعه في تأليفه أشبه بصنيع مجتهد المذهب الذي يعني بمعرفة أصول امامه من الفروع التي نص على حكمها، لا صنيع المجتهد المطلق أو العالم الأصولي المنصف الذي يعني ببحث القواعد الأصولية على ضوء أصول الشريعة والاستدلال عليها بالكتاب والسنة، دون ميل إلى نصرة مذهب معين في الفروع الفقهية.
وتسمى هذه الطريقة طريقة الحنفية لشيوعها فيهم، ممن نهج سبيلها أبو زيد عبيد الله بن عمر الدبوسي، ومحمد بن أحمد السرخسي وعلي بن محمد البزدوي.
ولو سلك هؤلاء طريق الاستقراء فأكثروا المسائل الفقهية من أبواب شتى على أن يجمعها وحدة أصولية كما فعل ذلك الشاطبي أحيانا في كتاب الموافقات، وقصدوا بذلك الشرح والايضاح، والارشاد إلى ما بينها من معنى جامع يقتضي اشتراكها