الأول: تحرير القواعد الأصولية وإقامة الأدلة عليها من الكتاب والسنة وإيضاح منهجه في الاستدلال وتأييده بالشواهد من اللغة العربية.
الثاني: الاكثار من الأمثلة لزيادة الايضاح، والتطبيق لكثير من الأدلة على قضايا في أصول الشريعة وفروعها، مع نقاش للمخالفين تزيده جزالة العبارة قوة، وتكسبه جمالا فكان كتابه قاعدة محكمة بنى عليها من جاء بعده، ومنهجه فيه طريقا واضحا سلكه من الف في هذا العلم وتوسع فيه.
وقد تبعه في الامرين أبو محمد علي بن حزم في كتابه " الاحكام في أصول الاحكام " بل كان أكثر منه سردا للأدلة النقلية مع نقدها، وايرادا للفروع الفقهية مع ذكر مذاهب العلماء فيها، وما احتجوا به عليها، ثم يوسع ذلك نقدا ونقاشا ويرجح ما يراه صوابا. غير أن أبا محمد وان كان غير مدافع في سعة علمه واطلاعه على النصوص.
وتمييز صحيحها من سقيمها، و المعرفة بمذاهب العلماء وأدلتها، وايراد ذلك في أسلوب رائع، وعبارات سهلة واضحة، لم يبلغ مبلغ الشافعي. فقد كان الشافعي أخبر منه بالنقل، واعرف بطرقه، وأقدر على نقده، وأعدل في حكمه وأدرى بمعاني النصوص ومغزاها، وأرعى لمقاصد الشريعة وأسرارها، وبناء الاحكام عليها مع جزالة في العبارة تذكر بالعربية في عهدها الأول، ومع حسن أدب في النقد، وعفة لسان في نقاش الخصوم والرد على المخالفين.
ولو سلك المؤلفون في الأصول بعد الشافعي طريقته في الامرين تقعيدا واستدلالا وتطبيقا وايضاحا بكثرة الأمثلة وتركوا الخيال وكثرة الجدل والفروض واطرحوا العصبية في النقاش والحجاج. ولم يزيدوا الا ما تقتضي طبيعة النماء في العلوم اضافته من مسائل وتفاصيل لما أصل في الأبواب، والا ما تدعوا إليه الحاجة من التطبيق والتمثيل من واقع الحياة للايضاح، كما فعل ابن حزم لسهل هذا العلم على طالبيه ولانتهى بمن اشتغل به إلى صفوف المجتهدين من قريب.
ولكنهم اختلفوا فاخذ كل جانبا.
فمنهم من عنى بالقواعد واثباتا بالأدلة عقلا ونقلا مع بسط القول ووضوح العبارة في سوق الأدلة ونقاشها وضوحا لا يعوز القارئ إلى شرح أو بيان.