وقوله تعالى: * (جدارا يريد أن ينقض) * (18) الكهف: 77) فمحمول أيضا على حقيقته، لأنه لا يتعذر على الله تعالى خلق الإرادة فيه.
سلمنا دلالة ما ذكرتموه على التجوز، لكنه معارض بما يدل على عدمه، وذلك لان المجاز كذب، ولذلك يصدق نفيه عند قول القائل للبليد حمار، وللانسان الشجاع أسد. ونقيض النفي الصادق يكون كاذبا، ولأن المجاز هو الركيك من الكلام، وكلام الرب تعالى مما يصان عنه.
سلمنا أنه ليس بكذب، غير أنه إنما يصار إليه عند العجز عن الحقيقة، ويتعالى الرب عن ذلك.
سلمنا أنه غير متوقف على العجز عن الحقيقة، غير أنه مما لا يفيد معناه بلفظه دون قرينة، وربما تخفى، فيقع الالتباس على المخاطب، وهو قبيح من الحكيم.
سلمنا أنه لا يفضي إلى الالتباس، غير أنه إذا خاطب بالمجاز، وجب وصفه بكونه متجوزا، نظرا إلى الاشتقاق، كما في الواحد منا، وهو خلاف الاجماع.
سلمنا عدم اتصافه بذلك، غير أن كلام الله تعالى حق فله حقيقة، والحقيقة مقابلة للمجاز.
والجواب: قولهم: * (ليس كمثله شئ) * (42) الشورى: 11) لنفي التشبيه ليس كذلك، فإنه لو كانت الكاف هاهنا للتشبيه، لكان معنى النفي: ليس مثل مثله شئ. وهو تناقض، ضرورة أنه مثل لمثله، فالمثل في الآية زائد، والمراد من قولهم مثلك لا يقول هذا المشارك له في صفاته.
وقولهم: المراد من القرية الناس المجتمعون، ليس كذلك لان القرية هي المحل الذي يقع فيه الاجتماع، لا نفس الاجتماع. ومن ذلك سمي الزمان الذي فيه يجتمع دم الحيض قرأ. وكذلك يقال القاري لجامع القرآن، والمقري لجامع الأضياف.
قولهم: إن العير هي القافلة المجتمعة من الناس.
قلنا: من الناس والبهائم، لا نفس الناس فقط، ولهذا لا يقال لمجتمع الناس من غير أن يكون معهم بهائم، قافلة.