ثم ما ذكروه منتقض بتسمية العرب للرجل الطويل نخلة، والفرس الأسود، أدهم، والملون بالبياض والسواد، أبلق، والاسم فيه دائر مع الوصف في الأصل وجودا وعدما. ومع ذلك لم يسموا الفرس والجمل لطوله نخلة، ولا الانسان المسود، أدهم، ولا المتلون من باقي الحيوانات بالسواد والبياض أبلق. وكل ما هو جوابهم في هذه الصور جوابنا في موضع النزاع.
وجواب الثاني: أن ما وقع الاستشهاد به لم يكن مستند التسمية فيه على الاطلاق، القياس، بل العرب وضعت تلك الأسماء للأجناس المذكورة بطريق العموم، لا أنها وضعتها للمعين، ثم طرد القياس في الباقي.
وجواب الثالث: بمنع العموم في كل اعتبار، وإن كان عاما في المعتبر، فلا يدخل فيه القياس في اللغة. وأما النقض بالقياس الشرعي فغير متجه، من جهة أن اجتماع الأمة من السلف عندنا أوجب الالحاق عند ظن الاشتراك في علة حكم الأصل، حتى إنه لو لم يكن إجماع، لم يكن قياس. ولا إجماع فيما نحن فيه من الأمة السابقة على الالحاق. فلا قياس.
وأما تسمية الشافعي: رضي الله عنه، النبيذ خمرا، فلم يكن في ذلك مستندا إلى القياس، بل إلى قوله عليه السلام: إن من التمر خمرا وهو توقيف لا قياس، وإيجابه للحد في اللواط، وفي النبش، لم يكن لكون اللواط زنى، ولا لكون النبش سرقة، بل لمساواة اللواط للزنى، والنبش للسرقة في المفسدة المناسبة للحد المعتبر في الشرع.
وأما يمين الغموس: فإنما سميت يمينا لا بالقياس، بل بقوله صلى الله عليه وسلم: اليمن الغموس تدع الديار بلاقع فكان ذلك بالتوقيف.