لتألفها من حروف وكلمات وآيات، فصح إطلاق القرآن عليها. غايته أنا خالفنا هذا في غير الكتاب العزيز، فوجب العمل بمقتضى هذا الأصل في الكتاب وبعضه، ولأنه لو حلف أنه لا يقرأ القرآن، فقرأ سورة منه، حنث، ولو لم يكن قرآنا، لما حنث. وإذا كان كذلك فليس الحمل على الكل أولى من البعض. وعند ذلك أمكن حمله على البعض الذي ليس فيه غير العربية.
فإن قيل: أجمعت الأمة على أن الله تعالى لم ينزل إلا قرآنا واحدا، فلو كان البعض قرآنا، والكل قرآنا لزمت التثنية في القرآن، وهو خلاف الاجماع.
وإذا لم يكن القرآن إلا واحدا، تعين أن يكون هو الكل ضرورة الاجماع على تسميته قرآنا.
قلنا: أجمعت الأمة على أن الله تعالى لم ينزل إلا قرآنا واحدا، لمعنى أنه لم ينزل غير هذا القرآن، أو بمعنى أن المجموع قرآن، وبعضه ليس بقرآن.
الأول مسلم، والثاني ممنوع.
فإن قيل: ما ذكرتموه من الدليل على كون بعض القرآن قرآنا معارض بما يدل على أنه ليس بقرآن، وهو صحة قول القائل عن السورة والآية: هذا بعض القرآن.
قلنا: المراد به إنما هو بعض الجملة المسماة بالقرآن، وليس في ذلك ما يدل على أن البعض ليس بقرآن حقيقة. فإن جزء الشئ، إذا شارك كله في معناه، كان مشاركا له في اسمه، ولهذا يقال إن بعض اللحم لحم، وبعض العظم عظم، وبعض الماء ماء، لاشتراك الكل والبعض في المعنى المسمى بذلك الاسم، وإنما يمتنع ذلك فيما كان البعض فيه غير مشارك للكل في المعنى المسمى بذلك الاسم.
ولهذا لا يقال: بعض العشرة عشرة، وبعض المائة مائة، وبعض الرغيف رغيف، وبعض الدار دار، إلى غير ذلك. وعند ذلك، فما لم يبينوا كون ما نحن فيه من القسم الثاني دون الأول، فهو غير لازم. وإن سلمنا التعارض من كل وجه،