فليس القول بالنفي أولى من القول بالاثبات. وعلى المستدل الترجيح. وإن سلمنا دلالة النصوص على كون القرآن بجملته عربيا، لكن بجهة الحقيقة، أو المجاز، الأول ممنوع، والثاني مسلم، وذلك لان ما الغالب منه العربية، يسمى عربيا، وإن كان فيه ما ليس بعربي، كما يسمى الزنجي أسود، وإن كان بعضه اليسير مبيضا، كأسنانه، وشحمة عينيه، والرومي أبيض وإن كان البعض اليسير منه أسود، كالناظر من عينيه. وكذل البيت من الشعر بالفارسية يسمى فارسيا، وإن كان مشتملا على كلمات يسيرة من العربية.
ويدل على هذا التجوز ما اشتمل عليه القرآن من الحروف المعجمة، في أوائل السور، فإنها ليست من لغة العرب في شئ، وأيضا فإن القرآن قد اشتمل على عبادات غير معلومة للعرب، فلا يتصور التعبير عنها في لغتهم. فلا بد لها من أسماء تدل عليها غير عربية، وأيضا فإن القرآن مشتمل على قوله تعالى: * (وما كان الله ليضيع إيمانكم) * (2) البقرة: 143) وأراد به صلاتكم، وليس الايمان في اللغة بمعنى الصلاة، بل بمعنى التصديق، وعلى قوله: * (أقيموا الصلاة) * (2) البقرة: 43) والصلاة في اللغة بمعنى الدعاء، وفي الشرع عبارة عن الافعال المخصوصة، وعلى قوله تعالى: * (وآتوا الزكاة) * (2) البقرة: 43) والزكاة في اللغة عبارة عن النماء والزيادة، وفي الشرع عبارة عن وجوب أداء مال مخصوص، وعلى قوله تعالى: * (كتب عليكم الصيام) * (2) البقرة: 183) والصوم في اللغة عبارة عن مطلق إمساك، وفي الشرع عبارة عن إمساك مخصوص، بل وقد يطلق الصوم في الشرع في حالة لا إمساك فيها، كحالة الآكل ناسيا.
وعلى قوله تعالى: * (ولله على الناس حج البيت) * (3) آل عمران: 97)