المسألة، وإن كان ذلك ممتنعا عند المعتزلة، وبتقدير امتناع التكليف بما لا يطاق، إنما يكون هذا تكليفا بما لا يطاق إذ لو كلفهم بفهمها قبل تفهيمهم.
وليس كذلك.
قوله: التفهيم، إنما يكون بالنقل. لا نسلم. وما المانع أن يكون تفهيمهم بالتكرير والقرائن المتضافرة مرة بعد مرة، كما يفعل الوالدان بالولد الصغير، والأخرس في تعريفه لما في ضميره لغيره بالإشارة.
المسلك الثاني: أن هذه الألفاظ قد اشتمل عليها القرآن. فلو كانت مفيدة لغير مدلولاتها في اللغة، لما كانت من لسان أهل اللغة، كما لو قال: أكرم العلماء وأراد به الجهال أو الفقراء، وذلك لان كون اللفظ عربيا ليس لذاته وصورته، بل لدلالته على ما وضعه أهل اللغة بإزائه، وإلا، كانت جميع ألفاظهم قبل التواضع عليها عربية، وهو ممتنع، ويلزم من ذلك أن لا يكون القرآن عربيا، وهو على خلاف قوله تعالى: * (إنا جعلناه قرآنا عربيا) * (43) الزخرف: 3)، وقوله تعالى: * (بلسان عربي مبين) * (26) الشعراء: 195)، وقوله تعالى: * (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) * (14) إبراهيم: 4) وذلك ممتنع.
وهذا المسلك ضعيف أيضا، إذ لقائل أن يقول: لا أسلم أنه يلزم من ذلك خروج القرآن عن كونه عربيا، فإن قيل لأنه إذا كان مشتملا على ما ليس بعربي، فما بعضه عربي وبعضه غير عربي، لا يكون كله عربيا. وفي ذلك مخالفة ظواهر النصوص المذكورة، فيمكن أن يقال: لا نسلم دلالة النصوص على كون القرآن بكليته عربيا لان القرآن قد يطلق على السورة الواحدة منه، بل على الآية الواحدة كما يطلق على الكل. ولهذا يصح أن يقال للسورة الواحدة: هذا قرآن. والأصل في الاطلاق الحقيقة، ولأن القرآن مأخوذ من الجمع، ومنه يقال: قرأت الناقة لبنها في ضرعها، إذا جمعته، وقرأت الماء في الحوض أي جمعته، والسورة الواحدة فيها معنى الجمع،