من ذلك نسبة الأمة إلى الخطأ، أن لو كان الحق في المسألة معينا وهو ليس كذلك على ما سيأتي، وإذا كان كل مجتهد مصيبا، فالتخطئة تكون ممتنعة.
واحتج القاضي عبد الجبار على ذلك بأن الأمة إذا اختلفت على قولين، فقد أجمعت من جهة المعنى على المنع من إحداث قول ثالث، لان كل طائفة توجب الاخذ بقولها أو بقول مخالفها، ويحرم الاخذ بغير ذلك، وهو ضعيف أيضا، وذلك لان الخصم إنما يسلم إيجاب كل واحدة من الطائفتين الاخذ بقولها أو قول مخالفها بتقدير أن لا يكون اجتهاد الغير قد يفضي إلى القول الثالث.
والمختار في ذلك إنما هو التفصيل. وهو أنه إن كان القول الثالث مما يرفع ما اتفق عليه القولان، فهو ممتنع لما فيه من مخالفة الاجماع، وذلك كما في مسألة الجارية المشتراة، فإنه إذا اتفقت الأمة فيها على قولين، وهما امتناع الرد، والرد مع العقر فالقولان متفقان على امتناع الرد مجانا، فالقول به يكون خرقا للاجماع السابق.
وكذلك في مسألة الجد، فإنه إذا اتفقت الأمة على قولين، وهما استقلاله بالميراث ومقاسمته للأخ، فقد اتفق الفريقان على أن للجد قسطا من المال، فالقول الحادث أنه لا يرث شيئا يكون خرقا للاجماع.
وكذلك في مسألة النية في الطهارة إذا اتفقت الأمة فيها على قولين، وهما اعتبار النية في جميع الطهارات، وعلى اعتبارها في البعض دون البعض، فقد اتفق القولان على اعتبارها في البعض، فالقول المحدث النافي لاعتبارها مطلقا يكون خرقا للاجماع السابق.
وأما إن كان القول الثالث لا يرفع ما اتفق عليه القولان بل وافق كل واحد من القولين من وجه، وخالفه من وجه، فهو جائز، إذ ليس فيه خرق الاجماع، وذلك كما لو قال بعضهم باعتبار النية في جميع الطهارات، وقال البعض بنفي اعتبارها في جميع الطهارات، فالقول الثالث، وهو اعتبارها في البعض دون البعض، لا يكون خرقا للاجماع. لان خرق الاجماع إنما هو القول بما