فإن قيل: اتفاق أهل العصر على قولين لا يلزم منه اتفاقهم على تجويز الاخذ بكل واحد منهما، لان أحد القولين لا بد وأن يكون خطأ لقوله عليه السلام:
إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران وإجماع الأمة على تجويز الاخذ بالخطإ خطأ، وإن سلمنا إجماعهم على ذلك ولكن ما المانع أن يقال بأن أهل العصر الأول إنما اتفقوا على تسويغ الاجتهاد والاخذ بكل واحد من القولين بشرط أن لا يظهر إجماع كاتفاقهم على أن فرض العادم للماء هو التيمم مشروطا بعدم الماء. فإذا وجد الماء، زال حكم ذلك الاجماع.
سلمنا أن إجماعهم على ذلك غير مشروط، ولكن إجماعهم على ذلك يدل على جواز الاخذ بأحد القولين. فإذا أجمع أهل العصر الثاني على أحد القولين، فإجماعهم عليه موافق لاجماع أهل العصر الأول على جواز الاخذ به، إلا أنه مخالف لاجماعهم وما يكون موافقا للاجماع لا يكون ممتنعا سمعا.
سلمنا دلالة ما ذكرتموه على الامتناع، لكنه معارض بما يدل على جوازه، وبيانه بالوقوع، وذلك أن الصحابة اتفقوا على دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة بعد اختلافهم في موضع دفنه، واتفقوا على إمامة أبي بكر بعد اختلافهم في من يكون إماما، اتفقوا على قتال مانعي الزكاة بعد اختلافهم في ذلك، واتفق التابعون على منع بيع أمهات الأولاد بعد اختلاف الصحابة في ذلك، ولو كان الاتفاق بعد الخلاف ممتنعا، لما كان ذلك واقعا.
والجواب عن السؤال الأول: لا نسلم أن أحد القولين لا بد وأن يكون خطأ، بل كل مجتهد في مسائل الاجتهاد مصيب على ما يأتي تحقيقه.
وما ذكروه من الخبر فسيأتي تأويله كيف وإنه يجب اعتقاد الإصابة نظرا إلى إجماع الأمة على جواز الاخذ بكل واحد من أقوال المجتهدين، ولو لم يكن صوابا،