يخالف ما اتفق عليه أهل الاجماع. وهاهنا ليس كذلك، فإن القائل بالنفي في البعض والاثبات في البعض قد وافق في كل صورة مذهب ذي مذهب، فلم يكن مخالفا للاجماع، لا في صورة اعتبار النية، لكونه موافقا لقول من قال باعتبارها في الكل، ولا في صورة النفي لكونه موافقا لمن قال بنفي الاعتبار في الكل.
وكذلك لو قال بعضهم بأنه لا يقتل المسلم بالذمي، ولا يصح بيع الغائب، وقال بعضهم بجواز قتل المسلم بالذمي، وبصحة بيع الغائب، فمن قال بجواز قتل المسلم بالذمي، وبنفي صحة بيع الغائب، أو بالعكس، لم يكن خارقا للاجماع من غير خلاف، وكان ذلك جائزا له. وعلى هذا، يكون الحكم في مسألة فسخ النكاح بالعيوب الخمسة.
فإن قيل: فمن قال بالاثبات مطلقا لم يقل بالتفصيل. وكذلك من قال بالنفي مطلقا، فالقول بالتفصيل قول لم يقل به قائل.
قلنا: وعدم القائل به مما لا يمنع من القول به، وإلا لما جاز أن يحكم واقعة متجددة بحكم، إذا لم يكن قد سبق فيها لاحد قول، وهو خلاف الاجماع.
فإن قيل: فكل من القائلين بالنفي والاثبات مطلقا قائل بنفي التفصيل، فالقول بالتفصيل يكون خرقا للاجماع.
قلنا: لا نسلم ذلك، فإن قول كل واحد منهما بنفي التفصيل إما أن يعرف من صريح مقاله، أو من قوله بالنفي أو الاثبات مطلقا: الأول ممنوع، حتى أن كل واحد من الفريقين لو صرح بنفي التفصيل، لما ساغ القول بالتفصيل، والثاني غير مستلزم للقول بنفي التفصيل، وإلا لامتنع القول بالتفصيل فيما ذكرناه من مسألة المسلم بالذمي وبيع الغائب، وهو ممتنع.
فإن قيل: القول بالتفصيل فيه تخطئة كل واحد من الفريقين في بعض ما ذهب إليه، وتخطئة الفريقين تخطئة للأمة، وذلك محال.