على الصحابة بقوله: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم وقوله: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي والذم لأهل الاعصار المتأخرة بقوله عليه السلام: ثم يفشو الكذب وأن الرجل يصبح مؤمنا، ويمسي كافرا، وأن الواحد منهم يحلف على ما لا يعلم، ويشهد قبل أن يستشهد، وأن الناس يكونون كالذئاب، إلى غير ذلك من أنواع الذم التي سبق ذكرها، أوجب قصر الاحتجاج على إجماع الصحابة دون غيرهم.
الثالث: أن الاحتجاج بالاجماع إنما يمكن بعد الاطلاع على قول كل واحد من أهل الحل والعقد ومعرفته في نفسه. وذلك إنما يتصور في حق الصحابة، لان أهل الحل والعقد منهم كانوا معروفين مشهورين محصورين لقلتهم وانحصارهم في قطر واحد، بخلاف التابعين ومن بعدهم لكثرتهم وتشتتهم في البلاد المتباعدة.
الرابع: أن الاجماع من الصحابة واقع على أن كل مسألة لا تكون مجمعا عليها ولا فيها نص قاطع أنه يجوز الاجتهاد فيها. فإذا لم يكن إجماع من الصحابة، ولا ثم نص قاطع، وإلا ما ساغ من الصحابة تركه وإهماله، فتكون المسألة مجمعا على جواز الاجتهاد فيها منهم، فلو أجمع التابعون على حكم تلك المسألة، فإن منعنا من اجتهاد غيرهم فيها، فقد خرقنا إجماع الصحابة، وإن جوزنا، فإجماع التابعين لا يكون حجة، وهو المطلوب.
الخامس: أنه لو كان في الأمة من هو غائب، فإنه وإن لم يكن له في المسألة قول بنفي ولا إثبات، لا ينعقد الاجماع دونه في تلك المسألة، لكونه لو كان حاضرا، لكان له فيها قول، فكذلك الميت من الصحابة قبل التابعين.