وعن السادس: أنه، وإن كان العامي إذا انفرد بالحكم لا يتصور منه الإصابة، فما المانع من تصويبه مع الجماعة بتقدير موافقته لهم في أقوالهم، ولا شك أن العامي مصيب في موافقته للعلماء. وعلى هذا جاز أن تكون موافقته شرطا في جعل الاجماع حجة، على ما سبق تقريره.
وبالجملة، فهذه المسألة اجتهادية، غير أن الاحتجاج بالاجماع عند دخول العوام فيه يكون قطعيا، وبدونهم يكون ظنيا. وعلى هذا فمن قال بإدخال العوام في الاجماع، قال بإدخال الفقيه الحافظ لاحكام الفروع فيه، وإن لم يكن أصوليا، وبإدخال الأصولي الذي ليس بفقيه بطريق الأولى لما بينهما وبين العامة من التفاوت في الأهلية وصحة النظر، هذا في الاحكام، وهذا في الأصول.
ومن قال بأنه لا مدخل للعوام في الاجماع اختلفوا في الفقيه والأصولي، نفيا وإثباتا فمن أثبت نظر إلى ما اشتملا عليه من الأهلية التي لا وجود لها في العامي، ودخولهما في عموم لفظ الأمة في الأحاديث السابق ذكرها.
ومن نفى، نظر إلى عدم الأهلية المعتبرة في أئمة أهل الحل والعقد من المجتهدين، كالشافعي وأبي حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم.
ومنهم من فصل بين الفقيه والأصولي، وهؤلاء اختلفوا:
فمنهم من اعتبر قول الفقيه الذي ليس بأصولي، وألغى قول الأصولي الذي ليس بفقيه.
ومنهم من عكس الحال واعتبر قول الأصولي دون الفقيه لكونه أقرب إلى مقصود الاجتهاد، لعمله بمدارك الاحكام على اختلاف أقسامها، وكيفية دلالاتها، وكيفية تلقي الاحكام من منطوقها ومفهومها ومعقولها، بخلاف الفقيه.
ومن اعتبر قول الأصولي والفقيه، اعتبر قول من بلغ رتبة الاجتهاد، وإن لم يكن مشتهرا بالفتوى بطريق الأولى، وذلك كواصل بن عطاء ونحوه. وفيه خلاف، والمتبع في ذلك كله ما غلب على ظن المجتهد.