السادس: أنه لو كان قد خالف واحد من الصحابة، فإن إجماع التابعين بعده لا ينعقد، وإذا لم ينقل خلاف من تقدم لا ينعقد الاجماع لاحتمال أن أحدا ممن تقدم خالف ولم ينقل خلافه، وإذا احتمل واحتمل، فالاجماع لا يكون متيقنا.
والجواب عن السؤال الأول: قولهم في الآيات إنها خطاب مع الموجودين في زمن النبي عليه السلام يلزمهم عليه أن لا ينعقد إجماع الصحابة بعد موت من كان موجودا عند نزول هذه الآيات، لان إجماعهم ليس إجماع جميع المخاطبين وقت نزولها، وأن لا يعتد بخلاف من أسلم بعد نزولها، لكونه خارجا عن المخاطبين. وقد أجمعنا على أن إجماع من بقي، من الصحابة بعد رسول الله، يكون حجة.
قولهم: التابعون ليس هم كل الأمة، ولا كل المؤمنين، يلزم عليه أن لا ينعقد إجماع من بقي من الصحابة بعد موت رسول الله، لان من مات من الصحابة، أو استشهد في حياة رسول الله داخل في مسمى المؤمنين والأمة، وهو خلاف المجمع عليه بين القائلين بالاجماع، وليس ذلك، إلا لان الماضي إذا لم يكن له قول غير معتبر، كما أن المستقبل غير منتظر. وعلى هذا، فنقول: إنه إذا ذهب واحد من الصحابة إلى حكم في مسألة، ثم مات، وأجمع التابعون على خلافه في تلك المسألة، فقد قال بعض الأصوليين إنه ينعقد إجماع التابعين، ولا اعتبار بقول الماضي، وليس بحق، لأنه يلزم منه أنه إذا أجمعت الصحابة على حكم، ثم ماتوا، وأجمع التابعون على خلاف إجماع الماضين، أنه ينعقد، وهو محال مخالف لاجماع القائلين بالاجماع.
وإنما الحق في ذلك أن يقال: إذا حكم الواحد من الصحابة بحكم، ثم حكم التابعون بخلافه، فحكم التابعين ليس هو حكم جميع الأمة المعتبرين في تلك المسألة التي وقع الخوض فيها. وإن كان حكمهم في مسألة لم يتقدم فيها خلاف بعض الصحابة، فهو حكم كل الأمة المعتبرين وهذا كما لو أفتى الصحابي بحكم، ثم مات، وأجمع باقي الصحابة على خلافه، فإنه لا ينعقد إجماعهم، وإن انعقد إجماعهم إذا مات من غير مخالفة، لان حكمهم في الأول ليس هو حكم كل الأمة المعتبرين بخلاف حكمهم في الثاني.